على الخيانة منهم ، أو على طائفة خائنة منهم ، فلا تكن في مأمن من مكرهم وخيانتهم ، فإنّهم قوم لا أمان لهم مع ما هم عليه من نقض المواثيق وقساوة القلب واللعن والتحريف.
قوله تعالى : (إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ).
تقدّم الكلام في مثل هذا الاستثناء ، وهو لا ينافي ثبوت اللعن والعذاب للمجموع من حيث هو مجموع ، ولا يختصّ بمن سبق إيمانه. بل يشمل كل من تشمله العناية الإلهية ، فيدخل في الإيمان ويصير كواحد من المؤمنين.
قوله تعالى : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ).
بعد إعلامه صلىاللهعليهوآله بأنّ في أهل الكتاب ـ لا سيما اليهود منهم ـ على خائنة يتربّصون بدين الحقّ وبرسوله والمؤمنين الدوائر ، ويضمرون السوء والعدوان ، وتحذّره صلىاللهعليهوآله منهم.
وفي هذه الآية المباركة يرشده إلى عدم المبادرة إلى العقوبة والتريث في التوبيخ والمؤاخذة ، ويأمره بالعفو عنهم والستر على مظالمهم ، والصفح عن مسيئهم ، لعلّهم يرجعون إلى دين الحقّ ويهتدون بهدي الإسلام ، ويقتدوا بالرسول الكريم صلىاللهعليهوآله ، فينبذون العداء ويتركون البغضاء.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
تعليل للأمر السابق ، وإرشاد إلى أنّ العفو من باب الإحسان ، ويتضمّن الوعد الجميل بمعاملتهم بالإحسان الذي يحبّه الله تعالى ، والرسول أحقّ الناس أن يتبع ما يحبّه الله تعالى.
والآية الشريفة من الآيات التربويّة الإصلاحيّة التي تهذّب النفوس وتروضها على العفو والإحسان ، وتظهر أهميّة مضمونها أنّها ذكرت في آخر الآيات التي تبيّن حقيقة تلك النفوس المريضة التي اعتادت على جميع سبل الشرّ ، والقلوب القاسية التي ما برحت على هتك حرمات الله تعالى.