متحد ، وما أراده الأعداء من السوء لشخص الرسول الكريم ، إنّما كان يرجع إلى المؤمنين أيضا ، وما صرفه عزوجل من البلاء عنه صلىاللهعليهوآله ، إنّما صرفه عن المؤمنين ، ولا بدّ وأن تكون الحال كذلك ، لأنّ الإيمان وحدة جامعة لجميع الكمالات ، وبوتقة فيها تنصهر جميع الأغيار وما يوجب التفرقة والنفرة.
وفي الآية الشريفة درس عمليّ للمؤمنين ، باتّخاذ الحذر من الأعداء ، والرجوع إلى الإيمان وتعاليمه واجتماعهم فيه ، فإنّه الحافظ لهم ، ولا يحصل ذلك إلّا بالتقوى ، التي هي أهمّ الكمالات وأساس كلّ خير وصلاح ، والتوكّل على الله تعالى ، فإنّه عزوجل الكافي لعباده والناصر للمؤمنين المتوكّلين ، يمدهم بعونه ويفيض عليهم من رحمته وعطفه.
ومن عنايته جلّ شأنه بالمؤمنين أن سرد جملة من أحوال أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، ليكونوا على معرفة بأحوال الماضين عن صدق ، ويتّخذوها دروسا وعبرا لهم ، لا يحيدون عنها فيقعوا في ما وقع فيه تلك الأمم ويصيبهم ما أصابهم ، فبيّن أنّه أخذ الميثاق من بني إسرائيل وأرسل عليهم النقباء ليرشدوهم إلى ما يصلحهم ويسعدهم ، وعدّد المواثيق التي أخذها منهم في المقام ، وهي جامعة لجميع الفضائل وحاوية لكلّ الكمالات ، بها تتطهّر النفوس ، وتتزكّى القلوب ، ويسعد الفرد والمجتمع ويصلان إلى الكمال المنشود ، وهي الصلاة التي هي قربان كلّ تقي ، والزكاة المطهّرة للأموال والنفوس ، والإيمان بجميع الرسل وسائط الفيض والأدلاء على الله تعالى ، الذي هو الهدف الأسمى في حياة العباد بالرجوع إلى الله عزوجل والاعتماد عليه ، فلا بدّ من دليل يرشد إليه ، وليس هو إلّا الأنبياء ، ولا يمكن الاستغناء عنهم في الحياة ، سواء كانت مادّية أم معنويّة ، فكأن الإيمان بهم شرط في إحراز كلّ كمال ، ولا يجوز التفرقة بينهم في الإيمان ، فإنّ نصرتهم إنّما تكون بالإيمان بجميعهم وتنفيذ تعاليمهم واحترامهم بما يليق بشأنهم ، فإنّ احترامهم احترام لمن أرسلهم ونصرتهم نصرته ، فكان ذلك قرضا حسنا منهم يقرضونه إلى الله