تعالى فيوفيه بأحسن وجه.
وحذّر تعالى من الكفر وترك الطاعة ، بعد ما أخذ عليهم المواثيق وأعطوا السمع والطاعة ، فإنّ الكفر حينئذ إنّما يكون عن عناد ولجاج ، وهو يستوجب العذاب الشديد ، فليس له بعد ذلك سبيل يوصله إلى الحقّ ويهديه إلى الخير والسعادة.
وعدّد سبحانه وتعالى جملة ممّا حلّ بهم جراء نقضهم المواثيق ، حيث خرجوا عن ربقة الإنسانيّة ، وطردوا عن رحمة الله تعالى التي هي السبب في حياة الإنسان ، بل هي الحياة لوحدها وغيرها من شؤونها ولوازمها ، فتراهم قد قست قلوبهم وأحلّوا كلّ ما حرّمه الله تعالى ، وهتكوا حرماته عزوجل ، واعتادت أنفسهم على الخيانة حيث خانوا عهد الله تعالى ، فكان البغض والعداوة نتيجة حتمية لتلك الخيانة ، فلم تبق لهم وليجة بعد قطع كلّ أواصر المودّة والرحمة ، يتنافرون في الأعمال والأقوال لفقد الثقة بينهم.
وما عدّده عزوجل في هذه الآيات المباركة ، هي أمهات الرذائل التي تسلب كلّ سعادة وتضلّ عن سواء السبيل الذي يرشدنا إلى الكمال ، فيكفي في ذلك عبرة لمن اعتبر.
ثمّ إنّه يستفاد من الآيات الشريفة الأمور التالية :
الأول : يدلّ قوله تعالى : (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) ، على أنّ ما بيّنه عزوجل من الخصال الخمس ، إنّما هو سواء السبيل الذي يورد سالكه إلى النعيم المقيم ، وهو الصراط المستقيم الذي ينبغي طلب الهداية من الله تعالى إليه ، ويجب العمل على مقتضاه.
الثاني : يدلّ قوله تعالى : (وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا) ، على أنّ بعض المعاصي يوجب نسيان العلم والخروج عن حقيقته ، وتدلّ عليه جملة من الآيات الشريفة والروايات ، وفي ذلك قول الشافعي :