أقول : المراد من النسخ التخصيص ، فإنّ قوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) ، عامّ وقوله تعالى : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ) ، خاصّ ، وكذا الجمع بينه وبين قوله تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) ، وإطلاق النسخ على التخصيص شائع عند المفسّرين.
وفي تفسير علي بن إبراهيم في قوله تعالى : (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ) ، قال : «قال علي عليهالسلام : إنّ عيسى بن مريم عبد مخلوق ، فجعلوه ربّا ، (فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ)».
أقول : نسيان عهد الله تعالى ضياعه ، وعدم المبالاة بتكاليفه ، كما أنّ عهوده تعالى ، لطائفه التي لا تقبل الأعمال إلّا بها.
ثمّ إنّه ورد في تفسير قوله تعالى : (فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) ، روايات دالّة على أنّه تعالى أغرى بعضهم بعضا بالخصومات والجدال في الدين واتباع الأهواء المختلفة ، وكلّ ذلك باختيارهم ، ولذلك أنّهم تأثّروا بالبعد عن الحقّ وإخفاء الحقيقة والتيه في الظلمات الماديّة ، كما نشاهد في عالمنا المعاصر.
بحث عرفاني :
معيّة الله تعالى مع العباد ، معيّة علم وقدرة ، أي : يسمع كلامهم ويرى أعمالهم ويعلم ضمائرهم ، فيجازي العباد حسب علمه جلّ شأنه ، سواء كان في عالم الشهادة أم في عالم الآخرة.
وأما المؤمنون الكمّل من عباده ، فلهم مزيّة على تلك المعيّة ، وهي المظهريّة لأسمائه وصفاته جلّت عظمته ، حسب تقرّبهم إلى ساحته عزوجل ، كما في كثير من الروايات ، منها روايات النوافل ، فإنّ المؤمن الواقعيّ مظهر من مظاهر أسمائه أو صفاته تعالى ، لأنّ به ظهرت الصفات السامية والكمالات الخلقيّة والمكارم النبيلة الرفيعة ، وقد اجتمع فيه جوانب متعدّدة ومظاهر متنوّعة ـ سواء كانت لنفسه أو