قوله تعالى : (يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ).
إرشاد إلى أهمّ أعمال الرسل والأنبياء ، فإنّهم عليهمالسلام رسل الله تعالى في بيان الأحكام الإلهيّة والمعارف الربوبيّة ، وإقامة الحجّة والبرهان على ذلك.
والآية الشريفة أصدق شاهد على صدق رسالة الرسول الأمّي ، الذي لم يقرأ كتبهم ، ولكن أخبر بما أوحى الله تعالى إليه ، مع أنّ مثل هذا البيان يتطلّب الإحاطة بجميع كتبهم والعلم بمواضع التحريف والمطالب الحقّة التي وردت فيها ، ولا يحصل ذلك إلّا بوحي إلهيّ ، لدقّة الموضوع وأهميّته ، فكان هذا الإخبار والبيان لشاهد صدق على حقيّة رسالته وما أتى به صلىاللهعليهوآله. وأما إخفاء ما في التوراة والإنجيل ، فقد عرف به اليهود والنصارى ، وهو أعمّ من الحذف والتغيير في كتبهم والتبديل والتأويل الباطل ، كما حكى عزوجل عنهم في مواضع متفرّقة من القرآن الكريم. ومن أهمّ ما أخفوه تلك الآيات التي وردت في كتبهم التي تبشّر برسالة خاتم الأنبياء صلىاللهعليهوآله وصفاته والأحكام المقدّسة التي وردت فيها ، كما أشار إليه عزوجل في القرآن الكريم ، قال تعالى : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٥٧] ، وقال تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) [سورة الفتح ، الآية : ٢٩] ، وقال تعالى : (يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) [سورة البقرة ، الآية : ١٤٦].
وأما إخفاء الأحكام المقدّسة والمعارف الحقّة ، فقد حكي القرآن الكريم الشيء الكثير منه ، مثل تحريم الطيبات ، وإحلال الصيد المحرّم عليهم في يوم السبت ،