وحكم الرجل الذي كتموه وكابروا فيه الحقّ كما بيّنه صلىاللهعليهوآله ، وسيأتي ذكره في قوله تعالى : (لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) [سورة المائدة ، الآية : ٤١].
قوله تعالى : (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ).
أي : ويعفو عن كثير ممّا كانوا يخفونه من الكتاب. والمراد بالعفو إما الترك ، أي : لم يذكر سبحانه كثيرا ممّا كانوا يخفونه ولم يظهره عزوجل ، فإنّ ذكر البعض يكفي لإتمام الحجّة عليهم ، ويشهد لذلك ما اشتملت عليه كتبهم ، ممّا يتعلّق بالتوحيد والنبوّة والمعاد ما لا يصحّ نسبته إليه تعالى ، كالتجسّم والحلول ، ولا انتسابه إليه جلّ شأنه ، كالكفر وارتكاب الفحشاء والزلّات ، واشتمال كتبهم على بعض العقائد الوثنيّة ، وعدم ذكر المعاد في بعضها ، مع أنّه من دعائم الإيمان والتوحيد في الأديان الإلهيّة.
أو يكون المراد من العفو هو التوبة إذا رجعوا إلى دين الحقّ ، فيكون ترغيبا لهم في الدخول في الإسلام.
واعترض على هذا الوجه بأنّ هذا الكثير كالكثير السابق ، فيتعيّن المعنى الأوّل.
ولكن يمكن المناقشة فيه بأنّ الكثير أمر نسبي ، مع أنّ الظاهر اختلاف اللفظين ، واشتهر أنّ النكرة إذا أعيدت نكرة فهي متغايرة.
وكيف كان ، فالمراد واضح ، وهو إقامة الحجّة على صدق الرسالة وافتضاح أهل الكتاب.
قوله تعالى : (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ).
تعظيم لشأن النبي صلىاللهعليهوآله وما انزل عليه ، فإنّ التعبير بالمجيء يدلّ على أنّ الجائي قائم به عزوجل بأي نحو كان من القيام.
والنور : معروف ، وهو الظاهر بنفسه المظهر لغيره ، فإنّه لو لا النور لما أدرك البصر شيئا من المبصرات ، وهو على قسمين : نور ظاهريّ جسمانيّ ، ومعنويّ ،