عن نيل هذه الموهبة العظيمة والكرامة الإلهيّة ، قال تعالى : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [سورة الجمعة ، الآية : ٥].
ويبيّن ما في هذه الآية الكريمة قوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [سورة الأنعام ، الآية : ٨٢] ، حيث ذكر عزوجل أنّ الأمن من العذاب والهداية إلى السعادة ، مشروطان بالإيمان وترك الظلم والاجتناب عن ما يوجب الانخراط في الظالمين.
ثمّ إنّ الرضوان بكسر الراء أو ضمّها لغتان بمعنى واحد ، كما أنّ السبل بضمّ الباء والتسكين كذلك. والأوّل الرضاء الكثير وأعظمه ، فإنّ لرضائه جلّ شأنه مراتب ، وإنّ أعلى مراتبه كانت رضوانا ، بحيث أظهر كلّ واحد من الربّ والعبد الرضا العظيم لا مطلقه ، فإنّ ذلك التراضي لا الرضوان. والثاني الطرق كما تقدّم.
قوله تعالى : (وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ).
هذا هو الأثر الثاني ، وهو الخروج من الظلمات التي هي فنون الكفر والضلال والجهل والعناد إلى نور الإيمان ، ولعلّ ذكره عزوجل الظلمات جمعا والنور مفردا ، إشارة إلى أنّ طريق الباطل متعدّد ، بخلاف طريق الحقّ ، فإنّه واحد وإن كان متعدّدا بحسب الظاهر والمواقف ، وقد أكّد ذلك القرآن الكريم في عدّة مواضع ، قال تعالى : (وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [سورة الانعام ، الآية : ١٥٣].
والتقييد بأنّ الخروج هذا إنّما يكون بإذنه ، لبيان أنّ أمر الهداية والدخول في الإيمان والخروج عن كلّ الظلمات ، لا بدّ وأن تكون بعلمه وتوفيقه ، وأنّه السبب الحقيقيّ فيها ، وأنّ الرسل والأنبياء والكتب الإلهيّة إنّما هي سبل ظاهريّة نازلة من السماء ، لم يكن لها الاستقلال في السببيّة ـ مقابل المبدأ تعالى ـ قال عزوجل : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) [سورة إبراهيم ، الآية : ٥] ، فلم يقيّد عزوجل في هذه الآية الشريفة الإخراج من الظلمات إلى النور بالإذن ، لاشتمال الأمر الصادر منه تعالى على معناه ، وأنّ موسى عليهالسلام كان واسطة في