يناقض وصفهم له بأنّه ابن مريم ، فإنّه يدلّ على كونه بشرا تامّا ، وأنّه مربوب له تعالى وواقع تحت سلطانه عزوجل وإرادته جلّ شأنه ، كسائر أفراد البشر ، مضافا إلى كون أمّه أيضا مثله في البشريّة ومسانخة له من دون ريب ، يجري عليها ما يجري على جميع من في الأرض ، فإنّ الحكم في الجميع على حدّ سواء ، وهذا من أعظم الأدلة على برهان الإمكان الذي ينافي الألوهيّة ، التي تتّصف بالوجوب.
وخلاصته : أنّ المسيح مخلوق يماثل سائر أفراد البشر ، يجوز عليه ما يجوز على غيره ، كما أنّه لا يجوز عليه ما لا يجوز عليهم ، لأنّ حكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز واحد ، ومنه الألوهيّة ، فإنّها لا تجوز لغيره ، فلا بدّ أن لا تجوز عليه أيضا ، كما أنّ غيره يجوز عليه الهلاك ، فيجوز عليه ذلك ، ولا مانع هناك يمنع منه ، ولو كان هو الله سبحانه وتعالى لما جاز ذلك.
وإنّما ذكر عزوجل أمّ المسيح مع اندراجها في عموم المعطوف ، لزيادة تأكيد عجز المسيح ، وزيادة للتقرير والتبكيت ، وإما لتعميم إرادة الهلاك مع حصول الغرض بقصرها على المسيح عيسى عليهالسلام ، لتهويل الخطب وإظهار كمال العجز ، ببيان أنّ الكلّ تحت إرادته وقهره تعالى لا يقدر على دفع ما يريده فضلا عمّا يريده غيره.
قوله تعالى : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما).
تعليل للجملة السابقة وتأكيد لما اعترف به النصارى من ثبوت الملكية المطلقة لله تعالى ، فيكون دليلا آخر لإبطال الوهيّة المسيح عيسى بن مريم ، إذ لو كان إلها لكانت له هذه الملكية المطلقة ، وقد أكّد عزوجل هذه الملكية في هذه الآية الشريفة بأمور :
منها : التصريح باسم الجلالة الدالّ على اختصاصها به تعالى ، ونفيها عن ما سواه استقلالا واشتراكا.
ومنها : التنصيص بذكر «وما بينهما» ، على أنّ الكلّ تحت قهره ومملوكيته تعالى ، فيكون الكلام أقرب إلى التصريح وأبعد من الشبهات ، أي : أنّ له وحده