وعدم مبالاتهم بالمواثيق والعهود التي أخذت منهم على العمل بمقتضاها ، فلا تفيد الادعاءات والشعائر في القرب إلى الله تعالى ونيل جزائه العظيم.
والابن : تارة يطلق ويراد منه المعنى الحقيقي ، وهو المراد في الاستعمالات الدائرة عند العرف ، وهو محال على الله تعالى ، لأنّه يستلزم الاختلاط والمجانسة مع مخلوقاته ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا ، وقد نفاه عزوجل عنه في ما سبق من الآيات التي حكي فيها مقالتهم عن بنوّة المسيح وشدّد النكير على قائليها ، وأقام البراهين الكثيرة على إبطالها.
واخرى : يطلق ويراد منه المعنى المجازي ، أي : القرب والرحمة ، حيث إنّ الأولاد مقرّبون من آبائهم وموارد رحمتهم وعنايتهم ، ولعلّ هذا المعنى هو المناسب في المقام ، فيكون قوله تعالى : (وَأَحِبَّاؤُهُ) ، عطفا تفسيريّا له ، ويدلّ على ذلك أنّهم لم يدّعوا البنوّة الحقيقيّة لغير ما ادّعوها فيه كالمسيح ، وعزيز ، فلا اليهود تدّعي تلك حقيقة ولا النصارى ، فكانوا يطلقونها على أنفسهم تشريفا.
والمتتبع في كتبهم المقدّسة يرى أنّ لفظ الابن قد استعمل فيها كثيرا ، فقد اطلق على آدم عليهالسلام وعلى يعقوب وداود وعلى أقوام ، وعلى المسيح ، ولم يريدوا منه المعنى الحقيقيّ سوى ما اطلق على الأخير فقط ، كما حكي عزوجل عنهم في عدّة آيات ، كما اطلق على الملائكة والمؤمنين الصالحين ، وهذا الاستعمال كثير في العهد الجديد ، فقد روى متى في وعظ المسيح على الجبل : «طوبى لصانعي السلام لأنّهم أبناء الله يدعون» (متى ـ ٥ : ٩) ، وفي الرسالة الاولى من رسالتي يوحنا : «كل من هو مولود من الله لا يعقل خطيئته لأنّ زرعه يثبت فيه ولا يستطيع أن يخطئ لأنّه مولود من الله بهذا أولاد الله ظاهرون وأولاد إبليس» (يوحنا ـ ٣ الآيتان ٩ و ١٠) ، فيستفاد من ذلك أنّهم أرادوا من إطلاق الابن عليهم لأجل إظهار أنّهم مورد عنايته عزوجل وعطفه ومحبّته ، فلا يجازيهم على أفعالهم ، كما لا يؤاخذ الأب الحنون ولده المسيء ، فهم من الله تعالى بمنزلة الأبناء من الأب ، فلهم أحكام