خاصّة تختلف عن سائر الخلق ، فيكون الغرض من هذا الاختصاص هو معافاتهم عن العذاب والعقوبة ، وأنّهم مهما عملوا من القبائح لا سبيل إلى تعذيبهم ، لأنّه يناقض ما خصّهم به من المزيّة والفضل وما حباهم من الكرامة ، فلا محالة مصيرهم إلى النعمة الدائمة والكرامة الأبديّة ، ولأجل ذلك كان الردّ عليهم حاسما وواضحا من دون تأويل وشبهة.
والآية الشريفة ترشد الناس إلى أمر عظيم ، وهو ترك التقوّل على الله تعالى والتزام الأدب معه عزوجل ، فإنّه لا يجوز نسبة صفة أو قول إليه تعالى إلّا إذا وردت الرخصة فيه ، ومن هنا كانت أسماء الله تعالى توقيفيّة ، لا بدّ من ورود الإذن في إطلاق اسم عليه جلّ شأنه.
قوله تعالى : (قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ).
احتجاج عليهم إلزاما وتبكيتا. والخطاب لنبيّه الكريم صلىاللهعليهوآله ، لأنّه واسطة الفيض ، وتتضمّن هذه الحجّة أمورا أحدها النقض عليهم ، والثاني الردّ عليهم بما هم معترفون به ، والثالث البرهان على بطلان دعواهم بالمرّة ، تأكيدا وإرشادا لهم بالابتعاد عن تلك المقالة وما يماثلها في الفساد.
أما الأمر الأوّل ، فإنّ مقالتهم تلك تقتضي عدم تعذيبهم بذنوبهم وأمنهم من كلّ عذاب دنيويّ أو اخرويّ ، مع أنّه عزوجل يجازيهم على أعمالهم ويعذّبهم بذنوبهم ويؤاخذهم على خطاياهم وما اقترفوه من المعاصي والآثام ، ومنها هذه المقالة التي تقوّلوا بها على الله تعالى بغير حجّة ولا برهان ؛ فهم كسائر أفراد البشر ، فإذا كنتم أبناء الله تعالى وأحباءه فلا بدّ أن لا يعذّبكم ، فإنّ الأب لا ينكل بابنه والمحبّ لا يعذّب حبيبه ، فلستم إذا أبناءه ولا أحباءه.
وإطلاق الآية المباركة يشمل العذاب الدنيويّ والاخرويّ ، وقد حكي عزوجل في القرآن الكريم كلا النوعين من العذاب الواقع عليهم ، لا سيما اليهود الذين قصّ القرآن المجيد الشيء الكثير من أحوالهم.