بلازم أن يقال في كل آية هي قرآن ويتواتر ذلك ، بل قرائن الأحوال تكفي في مثل ذلك ، فإذا استدعى النبي صلىاللهعليهوسلم كاتب الوحي ، وطلب منه أن يكتب في المصحف كذا ، وأن يضع كذا في موضع كذا ، كان ذلك دليلا على أن ما أمر بكتبه قرآن ، وإن لم يصرح بأنه من القرآن ، وهل البسملة إلّا كذلك «اجعلوها في أول كل سورة».
واختلفوا في حكم قراءة البسملة في الصلاة ، فذهب مالك رحمهالله إلى منع قراءتها في الصلاة المكتوبة ، جهرا كانت أو سرّا ، لا في استفتاح أم القرآن ، ولا في غيرها من السور. وأجاز قراءتها في النافلة وقال أبو حنيفة (١) رضي الله عنه : يقرؤها سرّا مع أم القرآن في كل ركعة ، وروي عنه أنه يقرؤها في الأولى فقط وقال الشافعي وأحمد : يقرؤها وجوبا ، في الجهر جهرا ، وفي السر سرّا.
وسبب الخلاف ما قدمناه في (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١)) أهي آية من أول الفاتحة ومن أول كل سورة أم لا؟ وشيء آخر وهو اختلاف الآثار في هذا الباب ، فمن ذهب إلى أنها آية من الفاتحة ، ومن كل سورة كالشافعي أوجب قراءتها مع الفاتحة ، ومن ذهب إلى أنها ليست آية من الفاتحة ، واعتمد الأحاديث الدالّة على عدم قراءتها في الصلاة منع من قراءتها كالإمام مالك. ومن رأى أنها ليست من فاتحة الكتاب ، ولكنه صحت عنده الأحاديث التي تدل على قراءتها سرّا طلب قراءتها سرّا كأبي حنيفة رحمهالله. فأما الآثار التي تدل على إسقاط البسملة : فمنها حديث ابن مغفل قال : سمعني أبي وأنا أقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١)) فقال : يا بني! إياك والحدث ، فإني صليت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأبي بكر وعمر ، فلم أسمع رجلا منهم يقرؤها. قال أبو عمر ابن عبد البرّ : ابن مغفل هذا رجل مجهول (٢). ومنها ما رواه مالك من حديث أنس أنه قال : قمت وراء أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فكلهم كان لا يقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١)) إذا افتتح الصلاة (٣). وفي بعض الروايات : أنه قام خلف النبي صلىاللهعليهوسلم فكان لا يقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١)). قال أبو عمر : إن أهل الحديث قالوا في حديث أنس هذا : إن النقل فيه مضطرب اضطرابا لا تقوم به حجة ، وذلك أنه مرّة روي عنه مرفوعا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، ومرّة لم يرفع. ومرّة ذكر عثمان ومرة لم يذكر ، ومنهم من يقول : فكانوا يقرؤون (بِسْمِ اللهِ ...) ومنهم من يقول فكانوا لا يقرؤون (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١)) ، ومنهم من يرويه بلفظ : فكانوا لا يجهرون (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١)).
__________________
(١) انظر الهداية شرح بداية المبتدي للمرغيناني ، ط ١ ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ١٩٩٠ (١ ـ ٢ / ٥٢).
(٢) رواه الترمذي في الجامع الصحيح (٢ / ١٢) ، من باب ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم حديث رقم (٢٤٤).
(٣) رواه الإمام مالك في الموطأ صفحة (٤٥) ، باب العمل في القراءة حديث رقم (١٧٥).