هذا تلك القاعدة : زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى. ولكن الزيادة تدل على زيادة الوصف مطلقا ، فصفة الرحمن تدل على كثرة الإحسان الذي يعطيه سواء أكان جليلا أم دقيقا ، وليس المعنى أن أفراد الإحسان التي يدل عليها لفظ (الرحمن) أكثر من أفراد الإحسان التي يدل عليها لفظ (الرحيم) ، وقال بعضهم : إنهما مترادفان. وقد فرّق ابن القيم (١) بينهما بفرق حسن ، فذكر أن الرحمن دالّ على الصفة القائمة به سبحانه ، والرحيم دالّ على تعلقها بالمرحوم ، وكأنّ الأول الوصف والثاني الفعل ، لذلك ورد (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) [الأحزاب : ٤٣](بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) [التوبة : ١٢٨] لم يجئ مطلقا رحمن بهم ـ أه والرحمن وصف خاصّ بالله لا يطلق على غيره بخلاف رحيم.
والجار في (بِسْمِ) متعلق بمحذوف يقدّر هاهنا (أقرأ). فإن قيل : إن المتعلق هنا كون خاص وهو لا يحذف. قيل : إنه يجوز حذفه لدليل ، وهو هنا حالي ، إذ حينما يقرأ البسملة ، ويأخذ بعد ذلك في القراءة يعلم المتعلّق ، وإنه (أقرأ). وكذا المسافر إذا حلّ أو ارتحل فقال (بسم الله) علم المتعلّق ، وهو (أحل) أو (أرتحل) وكذا كل فاعل فعل يقول : (بسم الله) يضمر ما جعل التسمية مبدأ له ، ويعلم السامع ذلك من دلالة الحال.
والمعنى : ومعنى أقرأ (بِسْمِ اللهِ) أقرأ مستعينا باسم الله ، وهنا محل بحث ، وهو أنه إذا كان الأمر على ما وصفنا ، فكان ينبغي أن يقال : (بالله) لا (باسم الله) ، لأن الاستعانة إنما هي بالله لا باسمه. وقد اختلف الناس في الخروج من هذا ، فذهب بعضهم إلى أن لفظ (اسم) مقحم كقول الشاعر (٢) :
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما |
|
ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر |
أي : ثم السلام عليكما. وذهب آخرون إلى أن الاسم عين المسمّى.
وذهب ابن جرير الطبري (٣) إلى أن اسم في (بِسْمِ اللهِ) المراد به الحدث ، أي بذكر الله أقرأ ، وقد عمل وإن كان ليس جاريا على حروف فعله كقوله :
أكفرا بعد ردّ الموت عنّي |
|
وبعد عطائك المائة الرتاعا (٤) |
وقال المتأخرون : الباء للمصاحبة ، والغرض مصاحبة اسم الله في القراءة تبركا ،
__________________
(١) محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي ، تلميذ ابن تيمية وهو الذي هذّب كتبه ونشر علمه ، وسجن معه ، انظر الدر الكامنة لابن حجر (٣ / ٢٤٣) ترجمة (٣٧٠٠).
(٢) هو لبيد بن ربيعة انظر المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية الأندلسي (١ / ٦٢).
(٣) محمد بن جرير الطبري نسبة إلى طبرستان توفي في بغداد (٣١٠ ه) ، انظر شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي ، بيروت دار الفكر ١٩٩٤ (٢ / ٢٦٠).
(٤) الرّتاع : الرعي في الخصب ، انظر لسان العرب لابن منظور ، ط ١ ، بيروت دار صادر ، ١٩٥٥ (٨ / ١١٣).