من سورة آل عمران
قال الله تعالى : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (٢٨))
بعد أن بيّن الله سبحانه وتعالى أنه واهب الملك ، المعزّ المذلّ ، القادر على جميع الأشياء في الدنيا والآخرة ، حيث قال جلّ شأنه : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ) [آل عمران : ٢٦] إلى آخره نبّه المؤمنين إلى أنّه لا ينبغي لهم أن يوالوا أعداءه ، أو يستظهروا بهم لقرابة أو صداقة قديمة ، بل ينبغي أن تكون الرغبة فيما عند الله تعالى وعند أوليائه دون أعدائه.
نزلت هذه الآية في قوم من المؤمنين كانوا يوالون رجالا من اليهود ، فقال لهم رفاعة بن المنذر وابن جبير وسعد بن خيثمة : اجتنبوا هؤلاء اليهود ، واحذروا لزومهم ومباطنتهم لا يفتنوكم عن دينكم ، فأبوا النصيحة (١).
وقيل نزلت في عبادة بن الصامت البدري النقيب ، فقد كان له حلفاء من اليهود ، فلما خرج النبي صلىاللهعليهوسلم يوم الأحزاب قال له عبادة : يا نبي الله إن معي خمسمائة من اليهود ، وقد رأيت أن يخرجوا معي ، فاستظهر بهم على العدو ، فأنزل الله تعالى : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ).
(لا) ناهية ، فالفعل مجزوم ، أو نافية فالفعل مرفوع ، وتكون الجملة خبرية في معنى النهي.
(أَوْلِياءَ) جمع ولي ، وهو الناصر والمعين ، فلا يركن المؤمنون إلى الكفار ، ويستعينوا بهم لقرابة أو محبة مع اعتقاده بطلان دينهم ، فإنّ ذلك منهيّ عنه ، لأنّ الموالاة قد تجرّ إلى استحسان طريقتهم.
وفي هذا المعنى نزلت آيات كثيرة (لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ) [آل عمران : ١١٨](لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ) [المجادلة : ٢٢](لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) [المائدة : ٥١](لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ
__________________
(١) رواه ابن جرير الطبري في تفسيره جامع البيان (٢ / ١٥٢).