من سورة البقرة
قال الله تعالى : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٢) وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٣))
(السِّحْرَ) : في اللغة : كل ما لطف مأخذه ، وخفي سببه ، ومنه سحره : خدعه ، والسحر الرئة. (الفتنة) : الاختبار والابتلاء ، ومنه قولهم : فتنت الذهب في النار إذا امتحنته لتعرف جودته من رداءته. (والخلاق) : النصيب. (شَرَوْا) : باعوا ، قال الشاعر :
وشريت بردا ليتني |
|
من بعد برد كنت هامه |
قبل الخوض في تفسير الآية نذكر نبذة عن السحر : أله حقيقة أم لا؟ فنقول : اختلف الناس في السحر ، فذهب جمهور العلماء إلى أن للسحر حقيقة ، وأنه تقتدر به النفوس البشرية على التأثير في عالم العناصر ، إما بغير معين ، أو بمعين من الأمور السماوية ، ويرون أنّ النفوس الساحرة على ثلاث مراتب :
أولها : المؤثرة بالهمة فقط من غير آلة ولا معين.
وثانيتها : بمعين من مزاج الأفلاك أو العناصر ، أو خواصّ الأعداد.
وثالثها : تأثير القوى المتخيلة ، فيعمد صاحب هذه المرتبة إلى القوة المتخيلة ، فيلقي فيها أنواعا من الخيالات والصور ، ثم ينزلها إلى الحس من الرائين بقوة نفسه المؤثرة ، فينظر الراؤون كأنها في الخارج ، وليس هناك شيء من ذلك ، ويقولون : إن هذه المراتب تنال بالرياضة ، ورياضة السحر بالتوجه إلى الأفلاك والكواكب والعوالم العلوية والشياطين بأنواع التعظيم والعبادة ، فهي لذلك وجهة وسجود لغير الله ، والوجهة لغير الله كفر ، فلهذا كان السحر كفرا ، ويرون أن الساحر يقدر على الأفعال