إلخ. فيكون ذلك تكرارا ، فمن أجل ذلك حملنا لفظ الصلاة على المسجد.
وذهب الأكثرون إلى أن الصلاة باقية على حقيقتها ، والمعنى : لا تصلوا وأنتم سكارى ، ولا أنتم جنب ، إلا في حال كونكم مسافرين حتى تغتسلوا ، ويكون ذكر هذا الحكم قبل قوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى) تشويقا إلى بيان الحكم عند فقد الماء ، فكأنه قيل : فإن لم تقدروا على استعمال الماء فإني مبيّن حكم ذلك بقولي : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى) إلى آخره.
ويقرب لهؤلاء ما ذهبوا إليه أن الله يقول : (حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) فإنّه يدل على أنّ المراد لا تقربوا نفس الصلاة ، إذ المسجد ليس فيه قول مشروع يمنع السكر منه ، أما الصلاة ففيها أقوال مشروعة يمنع السكر منها ، وهي القراءة والدعاء والذكر ، فكان حملها على ما يقتضيه ظاهر اللفظ أولى.
وقد ترتب على هذا خلافهم في حكم اجتياز المسجد للجنب ، فمن ذهب إلى أن المراد من الصلاة موضعها ، وهو المسجد ، أخذ من الاستثناء أن الجنب ممنوع من المسجد إلا في حال العبور ، فإنه يجوز له أن يعبر دون أن يمكث.
وأما على القول الثاني فيكون معنى الآية لا تقربوا الصلاة في حال السكر ، ولا في حال الجنابة حتى تغتسلوا ، إلا إذا كنتم مسافرين ، وحكم ذلك سأقصه عليكم ، أما حرمة دخول المسجد للجنب فيستدل عليها بمثل ما روت عائشة رضي الله عنها قالت جاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد ، فقال : «وجّهوا هذه البيوت عن المسجد ، ثم دخل ولم يصنع القوم شيئا رجاء أن تنزل لهم رخصة ، فخرج إليهم بعد وقال : وجّهوا هذه البيوت فإني لا أحلّ المسجد لجنب ولا حائض» (١) وغير هذا من الأدلة.
بقي أنّ بعض المفسرين يريد أن يأخذ من قوله : (حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) وجوب القراءة في الصلاة ، لأن الآية تنهى عن قرب الصلاة في حال السكر حتى يعلم المصلّي ما يقول : فلا بد أن يكون الذي يقول شيئا يمنع منه السكر ، ولا شيء سوى القراءة.
ولكنا إذا عرفنا أنّ الصلاة مناجاة ووقوف بين يدي مالك يوم الدين ، العزيز القهار ، كان معنى النهي لا تصلحوا حتى تكونوا على درجة من العلم والفهم تمكّنكم وتؤهّلكم للوقوف بين يدي ملك الملوك ، وليس بنا حاجة لأن نلتمس دليلا على وجوب القراءة في الصلاة ، لأن ذلك أمر متفق عليه ، وأدلته كثيرة.
__________________
(١) رواه أبو داود في السنن (١ / ٩٧) ، كتاب الطهارة ، باب في الجنب حديث رقم (٢٣٢) ، ورواه ابن ماجه في السنن (١ / ٢١٢) ، كتاب الطهارة ، باب ما جاء في اجتناب الحائض حديث رقم (٦٤٥).