والجنب : اسم يستوي في الواحد والجمع ، والمذكر والمؤنث ، وأصل الجنابة البعد ، ويقال للذي يجب عليه الغسل من حدث الجنابة : جنب ، لأنّ جنابته تبعده عن الصلاة وعن المسجد وقراءة القرآن حتى يتطّهر.
(وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً).
ذكرت هذه الآية والآية التي في المائدة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) [المائدة : ٦] الآية للتيمم أسبابا أربعة : المرض ، والسفر ، والمجيء من الغائط ، وملامسة النساء ، ورتبت عليها تيمم الصعيد الطيّب عند عدم وجود الماء فهما بظاهرهما تفيدان أنّ كلا من هذه الأسباب بمجرده يبيح التيمم عند عدم الماء.
فالسفر عند عدم الماء مبيح للتيمم ، والمرض أيا كان نوعه مبيح للتيمم عند عدم الماء ، وكذلك ملامسة النساء ، والمجيء من الغائط ، وقد جاء بيان السنة العملية كذلك موافقا لما يفيده النظم الكريم ، حيث أجاز التيمم عند فقد الماء حقيقة لكل هؤلاء ، غير أنّه زاد أن المريض إذا كان مرضه يمنعه من استعمال الماء جاز له التيمم ، كما روي في حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه تيمم مع وجود الماء لخوف البرد فأجازه النبيّ صلىاللهعليهوسلم ولم ينكر ، وقد اتفقوا على جوازه.
بقي أنه ما الفائدة إذا في ذكر السفر والمرض في جملة الأسباب ما دام المسافر والمريض والمقيم والصحيح سواء ، لا يباح لهم التيمم إلا عند فقد الماء؟
قال المفسرون في هذا : أما المسافر فلما كان غالب حاله عدم وجود الماء جاء ذكره كأنه فاقد الماء وأما المريض فإنّ تعليق الحكم به مشعر بأن مرضه له مدخل في السببية ، ولذلك ترى ابن عباس رضي الله عنهما وجماعة من التابعين يقولون في قوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى) أنه المجدور ، ومن يضره الماء ، وذلك أنّ المريض الذي لا يضره الماء لا معنى للترخيص له في التيمم ، فذكر ليدل على أن مرضه حينئذ يقوم مقام عدم وجود الماء حقيقة ، فلم يبق حينئذ إلا الجنب وما في معناه ، والجائي من الغائط وما في معناه من غير المسافرين والمرضى ، فهو إنما يباح لهم التيمم إذا فقدوا الماء.
وعلى هذا يكون قوله تعالى : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا) راجعا إلى الأخيرين فقط ، وهما المجيء من الغائط ، وملامسة النساء ، وتكون أسباب التيمم المذكورة في الآية ثلاثة على الحقيقة : المرض ، والسفر ، وفقد الماء في حال الإقامة والصحة.
غير أنّ عطف هذه الأسباب بعضها على بعض بأو يقتضي أنها متقابلة ، ومن قضية تقابلها أن يكون المسافر غير المريض ، وكل منهما غير الجائي من الغائط