والملامس ، وذلك يقتضي أنّ السفر مبيح للتيمم ، ولو من غير حدث ، وكذلك المرض ، مع أن التيمم لا يطلب إلا من المحدث.
وأجاب عن ذلك بعض العلماء بأن السبب في عدم ذكر الحدث مع المرض والسفر أنّ الكلام في الجنابة في السفر ، حيث قال : (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) فحال الجنابة معهما ملحوظ ، حيث هذا بيان للحكم إذا لم يتيسر الغسل من الجنابة لفقد الماء ، وأما الحدث الأصغر فيهما فيعلم حكمه من حكم الجنابة لدلالة النص.
ومن العلماء من اختار في تأويل الآية رأيا آخر : فذهب إلى أنّ (أَوْ) في قوله : (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) بمعنى الواو ، ويكون المعنى عليه : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا) ويكون ذلك في معنى قولك : إن كنتم مرضى أو مسافرين محدثين حدثا أصغر أو أكبر ، وفقدتم الماء حقيقة أو حكما ، بأن لم تقدروا على استعماله مع وجوده ، فتيمموا صعيدا طيبا.
وقد جاءت (أَوْ) بمعنى الواو كثيرا كما في قوله تعالى : (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (١٤٧)) [الصافات : ١٤٧] فإن معناه ويزيدون ، وكقوله : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما) [النساء : ١٣٥] معناه إن يكن غنيا وفقيرا فالله أولى بهما.
ونقل صاحب «روح المعاني» (١) عن بعضهم أن في الآية تقديما وتأخيرا والتقدير : لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ، ولا جنبا ولا جائيا أحد منكم من الغائط أو لامسا ، يعني ولا محدثين ، ثم قيل : وإن كنتم مرضى أو على سفر : فتيمموا وفيه الفصل بين الشرط والجزاء والمعطوف عليه من غير نكتة.
وأقرب هذه التأويلات هو ما حملنا عليه الآية في أول الأمر ، وما ورد عليه ـ من أن ذلك يقتضي أن السفر بنفسه سبب ، وكذا المرض ولو من غير حدث ـ يندفع متى روعي الكلام في أمر الطهارة من الأحداث ، وأنها الغسل ، انظر إلى قوله تعالى : (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) فأمر الحدث أمر مقرّر مفروغ منه ، إنما الكلام في الأعذار المبيحة للتيمم ، ولا سبب في الحقيقة إلا فقد الماء ، وفقد الماء له مظاهر ، فمن مظاهره السفر ، وعدم الماء فيه غالب ، وإن وجد فأغلب أمره أن يكون محتاجا إليه ، ومن مظاهره المرض ، وجعل المرض من أسباب التيمم مشعر بأن ذلك إنما يكون في مرض لا يمكن معه استعمال الماء ، والمظهر الحقيقي لفقد الماء أن يكون خاليا من هذه الأعذار ، ثم لا تجد الماء وأنت محدث حدثا أصغر أو أكبر.
على هذا الوجه يصح أن تفهم الآية ، ولا شيء في فهمها حينئذ من التكلف ،
__________________
(١) انظر روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني للإمام الألوسي (٥ / ٤٢).