وقد روي في السنة ما يوافق قول ابن أبي ليلى. روى عكرمة عن ابن عباس قال : خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم في غزاة فلقي المشركين بعسفان ، فلما صلّى الظهر فرأوه يركع ويسجد هو وأصحابه ، قال بعضهم لبعض يومئذ : كان فرصة لكم ، لو أغرتم عليه ما علموا بكم حتى تواقعوهم ، قال قائل منهم : فإنّ لهم صلاة أخرى أحبّ إليهم من أهلهم وأموالهم ، فاستعدوا حتى تغيروا عليهم فيها ، فأنزل الله عزوجل : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ) الآية ، وأعلمه ما ائتمر به المشركون. فلما صلّى رسول الله صلىاللهعليهوسلم العصر ، وكانوا قبالته في القبلة ، فجعل المسلمين خلفه صفين ، فكبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم فكبروا جميعا ، ثم ركع وركعوا معه جميعا ، فلما سجد سجد معه الصف الذين يلونه ، وقام الصف الذين خلفهم مقبلين على العدو ، فلما فرغ رسول الله صلىاللهعليهوسلم من سجوده ، وقام ، سجد الصف الثاني ، ثم قاموا وتأخر الذين يلون رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتقدم الآخرون ، فكانوا يلون رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلما ركع ركعوا معه جميعا ، ثم رفع فرفعوا معه ، ثم سجد فسجد معه الذين يلونه ، وقام الصف الثاني مقبلين على العدو ، فلما فرغ رسول الله صلىاللهعليهوسلم من سجوده ، وقعد الذين يلونه ، سجد الصف المؤخّر ، ثم قعدوا فتشهدوا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم جميعا فلما سلّم سلّم عليهم جميعا ، فلما نظر إليهم المشركون يسجد بعضهم ويقوم بعض ينظر إليهم قالوا : قد أخبروا بما أردنا.
٣ ـ وقال مالك رضي الله عنه : يتقدم الإمام بطائفة ، وطائفة بإزاء العدوّ ، فيصلّي بالتي معه ركعة وسجدتين ، ويقوم قائما ، وتتمّ الطائفة التي معه لأنفسها ركعة أخرى ، ثم يتشهدون ، ويسلّمون ، ثم يذهبون إلى مكان الطائفة التي لم تصلّ ، فيقومون مكانهم ، وتأتي الطائفة الأخرى ، فيصلّي بهم ركعة وسجدتين ، ثم يتشهدون ، ويسلّم ، ويقومون ، فيتمّون لأنفسهم الركعة التي بقيت.
٤ ـ وقال الشافعي رضي الله عنه مثل قول مالك إلا أنه قال : لا يسلّم الإمام حتى تتمّ الطائفة الثانية لأنفسها ، ثم يسلّم معهم ، قال ابن القاسم : وكان مالك يقول بهذا لحديث رومان ، ثم رجع عنه إلى حديث القاسم ، وفيه أنّ الإمام يسلّم ، ثم تقوم الطائفة الثانية فيقضون.
أما حديث رومان الذي أشرنا إليه فهو ما روى يزيد عن رومان عن صالح بن خوّات مرسلا عن النبي صلىاللهعليهوسلم (١) ، وذكر فيه أنّ الطائفة الأولى صلت الركعة الثانية قبل أن يصليها النبيّ صلىاللهعليهوسلم.
__________________
(١) رواه البخاري في الصحيح (٥ / ٦٢) ، ٦٤ ـ كتاب المغازي ، ٣٢ ـ باب غزوة ذات الرقاع حديث رقم (٤١٢٩) ، ومسلم في الصحيح (١ / ٥٧٥) ، ٦ ـ كتاب صلاة المسافرين ، ٥٧ ـ باب صلاة الخوف حديث رقم (٣١٠ / ٨٤٢).