وقيل : إنّ معنى ذلك فإذا اطمأننتم ، وأمنتم في الجملة : فاقضوا ما صليتم في تلك الأحوال التي هي حال القلق والانزعاج ، ونسب ذلك إلى الإمام الشافعي قال صاحب «روح المعاني» : وليست هذه النسبة صحيحة.
(إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) فرضا محدودا بأوقات لا تجوز مجاوزتها ، بل لا بد من أدائها في أوقاتها سفرا وحضرا ، وقيل : المعنى كانت عليهم أمرا مفروضا مقدّرا في الحضر بأربع ركعات ، وفي السفر بركعتين ، فلا بدّ أن تؤدّى في كلّ وقت حسبما قدّر فيه ، وقد ورد القرآن هكذا في توقيتها مجملا ، ومرجع البيان فيه إلى السنة ، فما ذكرت السنة أنه وقت وحد للصلاة وجب اتباعه.
قال الله تعالى : (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٠٤)) بعد أن بيّن الله تعالى ما يجب أن يكون عليه المؤمنون في قتال عدوهم من أخذ الحذر أثناء الصلاة عاد إلى بعث المؤمنين على نحو آخر من المذهب الكلامي ، وسوق الدعوى يحدوها الدليل.
(وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ) لا تضعفوا في قتالهم ، ولا تتواكلوا ، ولا يمنعكم منه ما يظن أن يصيبكم في قتال أعدائكم من ألم القتل والجرح ، فإنّ ذلك أمر مشترك من شأنه أن يقع بكم ، ويقع بأعدائكم ما دام لم ينثن أعداؤكم عن قتالكم ، فما بالكم تخافونه دونهم.
(وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ) بل إنّ أعداءكم إذا جاز لهم أن يخافوا فهم حقيقون بأن يخافوا ، فإنّهم لا حجة لهم في الإقدام على أمر هو مظنة هلاكهم ، فإنّهم على الباطل ، والباطل مهما مدّ الله له في الأجل فهو في النهاية مدفوع. بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه ، ولم يعدهم الله بالنصر كما وعدكم ، ولا ثمرة تعود عليهم من قتالهم هذا ، فإنهم وإن تمّت لهم الغلبة أمامهم جهنم مفتحة الأبواب ، عميقة الغور ، أعدت للكافرين المعاندين لكم ، وقد وعدكم نصره ، وضمن لكم الجنة ، وأنتم الفائزون في الحالين ، وأنتم بما تعبدون الله وتوحدونه لا تشركون به شيئا ، تطمعون في نصره ورحمته ، وهم بما يعبدون من الأصنام ، وما هم عليه من العناد : ليس عندهم مثل هذا الطمع ، أليس يكفي هذا وحده باعثا لكم على القتال دونهم؟
(وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) لا يكلفكم شيئا إلا ما فيه صلاحكم في دينكم ودنياكم على مقتضى علمه وحكمته.