هممت به في أمر طعمة وبراءته التي لم تتثبّت في شأنها ، والأمر بالاستغفار في هذا وما ماثله لا يقدح في عصمة الأنبياء ، لأنه لم يكن منه إلا الهم ، والهم لا يوصف بأنه ذنب فضلا عن المعصية ، بل إنّ ذلك من قبيل إن حسنات الأبرار سيئات المقربين ، وما أمره بالاستغفار إلا لزيادة الثواب ، وإرشاده وإرشاد أمته إلى وجوب التثبت في القضاء ، وقيل : إن المراد استغفر لأولئك الذين زعموا عندك براءة الخائن.
(إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) يغفر لمن استغفره ، ويرحم من استرحمه.
قال الله تعالى : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (١٢٧))
الاستفتاء : طلب الإفتاء ، والإفتاء : إظهار المشكل من الأحكام وتبينه ، كأنّ المفتي لما بيّن المشكل قد قوّاه وصيّره فتيا.
سبب النزول : أخرج ابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال : لما نزلت المواريث في سورة النساء شقّ ذلك على الناس وقالوا : أيرث الصغير الذي لا يعمل في المال ولا يقوم فيه ، والمرأة التي هي كذلك ، فيرثان كما يرث الرجل الذي يعمل في المال؟ فرجوا أن يأتي في ذلك حدث من السماء ، فانتظروا ، فلما رأوا أنه لا يأتي حدث ، قالوا : لئن تمّ هذا إنه لواجب ما عنه بد. ثم قالوا : سلوا ، فسألوا النبي صلىاللهعليهوسلم فأنزلت هذه الآية (١). وروي مثل ذلك عن ابن عباس ومجاهد.
وعن عائشة أنها نزلت في توفية الصداق لهن. وكانت اليتيمة تكون عند الرجل ، فإذا كانت جميلة ، ولها مال ، تزوّج بها وأكل مالها ، وإذا كانت دميمة منعها من الأزواج حتى تموت فيرثها. فأنزل الله هذه الآية (٢).
معلوم أنّ الصحابة لم يطلبوا الإفتاء عن ذوات النساء ، وإنما طلبوا الإفتاء عن حال من أحوالهن ، وشيء يتعلّق بهن ، فلا بد من تقدير محذوف في الكلام ، فبعض المفسرين قدّر ذلك المحذوف أمرا خاصا ، وجعل سبب النزول قرينة على تعيين ذلك المحذوف المسئول عنه ، فقال : المراد يستفتونك في ميراثهن ، أو في توفية صداقهن ، أو في نكاحهن.
واختار بعضهم التعميم في المسئول عنه ، لأنّ سبب النزول لا يخصّص ، ولأنّ تقدير العام أتمّ فائدة وأشمل ، فقال : المراد يستفتونك فيما يجب لهن وعليهن مطلقا ، وقد كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يسأل عن أحكام كثيرة تتعلّق بالنساء.
__________________
(١ و ٢) انظر الدر المنثور في التفسير بالمأثور للإمام السيوطي (٢ / ٢٣١).