وفصّل بعض العلماء في ذلك فقال : إن تركه لعدم الداعي إليه فهو معذور ، وإن تركه مع الداعي إليه ، ولكن داعيه إلى الضرر أقوى ، فهذا مما يدخل تحت قدرته وملكه ، فإن أدّى الواجب عليه منه لم يبق لها حق ، ولم يلزمه التسوية وإن ترك الواجب منه فلها المطالبة به.
(وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ) بعد أن رغّب الله في الصلح بين الزوجين وحثّ عليه ذكر في هذه الآية جواز الفرقة إذا لم يكن منها بد ، وسلّى كلا من الزوجين ، ووعد كل واحد منهما بأنه سيغنيه عن الآخر إذا قصد الفرقة تخوّفا من ترك حقوق الله التي أوجبها.
(وَكانَ اللهُ واسِعاً حَكِيماً). أي وكان الله ولا يزال غنيا كافيا للخلق ، حكيما متقنا في أفعاله وأحكامه.
قال الله تعالى : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٧٦))
أخرج ابن أبي حاتم أنّ هذه الآية نزلت في جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
وأخرج الشيخان عن جابر أنه قال دخل عليّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأنا مريض لا أعقل ، فتوضأ ، ثم صبّ عليّ فعقلت فقلت يا رسول الله : إنه لا يرثني إلا كلالة فكيف الميراث ، فنزلت آية الفرائض (١) وهذه الآية آخر آيات الأحكام نزولا.
وروي أنّ أبا بكر رضي الله عنه قال في خطبة له : ألا إن الآية التي أنزلها الله في سورة النساء في الفرائض [١٢] ، فأولها في الولد والوالد ، وثانيها في الزوج والزوجة ، والإخوة من الأم ، والآية التي ختم بها سورة النساء [١٧٦] أنزلها في الإخوة والأخوات من الأب والأم. أو من الأب ، والآية التي ختم بها سورة الأنفال [٧٥] أنزلها في أولي الأرحام ، وقد أجمع العلماء على أنّ هذه الآية في ميراث الإخوة والأخوات من الأب والأم ، أو من الأب. وأما الإخوة والأخوات لأم ففيهم نزلت الآية السابقة في صدر السورة (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً) إلخ وتقدّم لك بيان ذلك مستوفى.
واختلف العلماء في المراد بالولد في قوله تعالى : (لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ) وقوله تعالى :
__________________
(١) رواه البخاري في الصحيح (٥ / ٢١٠) ، ٦٥ ـ كتاب تفسير القرآن ، ٤ ـ باب (يُوصِيكُمُ اللهُ) حديث رقم (٤٥٧٧) ، ومسلم في الصحيح (٣ / ١٢٣٤) ، ٣٢ ـ كتاب الفرائض ، ٢ ـ باب ميراث الكلالة حديث رقم (٥ / ١٦١٦).