تمكنا حسيا من استعماله من غير ضرر ، وينبني على هذا الخلاف أنّ من وجد الماء وهو في الصلاة يتمادى ولا يقطع الصلاة عند المالكية ، لأنه لا يتمكن شرعا من استعماله من غير إبطال الصلاة ، وهو لا يجوز له أن يبطل الصلاة ، وعند الحنفية يبطل تيممه ، فتبطل الصلاة ويجب استعمال الماء.
وإطلاق الماء يدل على عدم جواز التيمم عند وجود الماء الذي تغيّر بطول المكث ، فإنه لم يخرج عن أنه ماء.
والمراد لم تجدوا ماء كافيا للوضوء أو للغسل ، فلو وجد ماء كافيا لبعض الوضوء أو للغسل يتيمم عند الحنفية والمالكية ، ولا يستعمل الماء في شيء من أعضائه.
وعند الشافعية والحنابلة : يستعمل الماء في بعض الأعضاء ، ثم يتيمم ، لأنه لا يعدّ فاقدا للماء مع وجود هذا القدر.
(فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) تقدّم أنّ الصعيد : هو التراب على القول المختار الظاهر.
والتيمم المطلوب شرعا هو استعمال الصعيد في عضوين مخصوصين على قصد التطهير ، والعضوان هما : الوجه واليدان إلى المرفقين عند الحنفية ، وهو أرجح القولين عند الشافعية وإلى الرسغين عند المالكية والحنابلة.
وحجة الحنفية أن الأيدي في قوله : (وَأَيْدِيَكُمْ) تشمل العضو كله إلا أنّ التيمم بدل عن الوضوء ، والبدل لا يخالف الأصل إلا بدليل ، وقد جعل المرفق غاية في الأصل ، فليكن غاية في البدل بدلالة النص ، وأنه روى جابر بن عبد الله أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «التيمم ضربتان ، ضربة للوجه ، وضربة للذّراعين إلى المرفقين».
وكان مقتضى التعبير بالباء في قوله : (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ) جواز مسح بعض الوجه كما سبق مثله في (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) إلا أن الحنفية والشافعية أوجبوا الاستيعاب لما روي عن عبد الله بن عمر ، وجابر بن عبد الله أنهما حكيا تيممه عليه الصلاة والسلام ، وفيه استيعاب الوجه واليدين إلى المرفقين ، ولأنّ التيمم بدل عن الوضوء ، والاستيعاب في الأصل واجب ، فيكون البدل كذلك ما لم يدل دليل على خلافه ، ولم يوجد.
واختلف الفقهاء في لزوم إيصال التراب إلى الوجه واليدين وعدمه ، فقال الحنفية والمالكية : لا يلزم ، وقال الشافعية : يلزم ، وسبب اختلافهم الاشتراك الواقع في حرف (من) في قوله : (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) فإنّها ترد للتبعيض ، وترد للابتداء ، وتمييز الجنس ، فرجّح الشافعية حملها على التبعيض من جهة قياس التيمم على الوضوء ، وفي الوضوء يجب استعمال بعض الماء ، فيجب في التيمم استعمال بعض التراب.