قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١))
الخمر : اسم لما خامر العقل وغطّاه من الأشربة ، أيا كان نوعها ، أو هو خاصّ بما كان من ماء العنب النيّئ الذي غلى واشتد وقذف بالزبد.
يرى الحنفية أنّ الخمر حرّمت ، ولم يكن العرب يعرفون الخمر في غير المأخوذ من ماء العنب ، فالخمر عندهم اسم لهذا النوع فقط ، وما وجد فيه مخامرة العقل من غير هذا النوع لا يسمى خمرا ، لأنّ اللغة لا تثبت من طريق القياس ، والحرمة عندهم تتعدى إلى المسكر لأنها معلولة بالإسكار ، لا لأن المسكر خمر.
ويرى غيرهم أنّ الخمر اسم لكل ما خامر العقل وغلبه ، فغير ماء العنب حرام بالنص (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) إلخ.
والواقع : أنه قد وردت آثار مختلفة في معاني الخمر ، فقد روي عن ابن عمر أنّه قال : «حرمت الخمر وما بالمدينة منها شيء ..».
ولقد كان بالمدينة من المسكرات نقيع التمر والبسر ، فدل ذلك على أن ابن عمر وهو عربي ما كان يرى أنّ اسم الخمر يتناول هذين ...
وفي مقابل هذا روى عكرمة عن ابن عباس قال : نزل تحريم الخمر وهو الفضيخ نقيع البسر ، وهذا يدل على أنّ ابن عباس يرى أنّ غير العنب يسمى خمرا.
وروى ثابت عن أنس قال : حرمت علينا الخمر يوم حرّمت وما نجد خمور الأعناب إلا القليل ، وعامة خمورنا البسر والتمر.
وروي عنه أنّه سئل عن الأشربة ، فقال : حرّمت الخمر وهي من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والذرة ، فكان عنده أنّ ما أسكر من هذه الأشربة فهو خمر.
وروي عن عمر أنه قال : إنّ الخمر حرّمت وهي من خمسة أشياء من : العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير ، والخمر ما خامر العقل.
وروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إن من الحنطة خمرا ، وإن من الشعير خمرا ، وإن من الزبيب خمرا ، وإن من التمر خمرا ، وإن من العسل خمرا» (١).
وروي عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنب» (٢).
ولقد أطلنا بذكر هذه الآثار لمعرفة منشأ الخلاف ، والحنفية يقولون فيما خالف
__________________
(١ و ٢) سبق تخريجه.