وقرئ فجزآء مثل برفع جزاء مضافا إلى (مِثْلُ ما قَتَلَ) وظاهر هذه القراءة أنّ الجزاء إنما هو جزاء مثل المقتول لا جزاء المقتول.
قالوا : إن ذلك خارج مخرج : مثلك جدير بالإكرام ، والمعنى أنت جدير بالإكرام ، ومن ذلك قوله تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ) [الأنعام : ١٢٢] إذ المعنى كمن هو في الظلمات ، ويجوز أن تكون الإضافة على معنى (من) والمعنى فجزاء من مثل ما قتل.
و (مِنَ النَّعَمِ) يحتمل أن يكون حالا من الجزاء ، والمعنى فجزاء مماثل للمقتول حال كون الجزاء من النعم ، وجوّز بعضهم أن يكون بيانا لما في قوله : (ما قَتَلَ) والمعنى عليه : فجزاء مماثل للمقتول حال كون المقتول من النعم ، وأنت تعلم أن ذلك إنما يتم على رأي أبي عبيد والأصمعي اللذين يقولان : إن النعم كما يكون من الأهلي يكون من الوحشي ، وهو خلاف المشهور ، إذ إنّ المشهور أن النعم يطلق على الإبل وحدها ، وعلى البقر والغنم مضمومة إلى الإبل ، ويصح أن يكون حالا من الضمير في (قتل) وهو قريب من هذا المعنى.
وقد اختلف العلماء في المراد بالمثل ، فقد روي عن ابن عباس أن المثل النظير ، ففي الظبية شاة ، وفي النعامة بعير ، وكذا كل صيد قتل يجب فيه نظيره في المنظر ، وهو مذهب محمد بن الحسن والشافعي ومالك والإمامية ، وحجتهم أن الله أوجب مثل المقتول مقيّدا بكونه من النعم ، فلا بد أن يكون الجزاء مثلا من النعم ، وذلك لا يكون إلا بأن يكون من الحيوانات التي تماثل المقتول ، فلا تجب القيمة لأنّها ليست من النعم.
وقد أوجب الصحابة رضوان الله عليهم كعلي وعمر وعبد الله بن مسعود وغيرهم في النعامة بدنة ، وفي حمار الوحش بقرة ، إلى غير ذلك. وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أن الواجب هو قيمة الصيد المقتول باعتبار كونه صيدا قبل الصيد ، يقوّم في المكان الذي صيد فيه ، أو في أقرب الأماكن إليه ، وفي زمان الصيد ، لأنّ القيمة تتفاوت باعتبار المكان والزمان ، وخلاف محمد إنما هو فيما له مثل ، أما ما لا مثل له فالواجب القيمة عنده كما هي عند أبي حنيفة وأبي يوسف.
وأما الشافعي فقد روي عنه أنه يعتبر المماثلة ولو في الصفات ، فأوجب في الحمامة شاة ، لأنّ الحمامة تشبه الشاة في عب الماء وفي الهدير.
احتج أبو حنيفة وأبو يوسف : بأن الله أوجب مثل المقتول مطلقا ، والمطلق ينصرف إلى الفرد الكامل منه ، وذلك يكون فيما هو مماثل في الصورة والمعنى ، وذلك طنما هو من المشارك في النوع ، وإيجاب ذلك متعذر ، لأنّ نوع الصيد صيد ، وهو محذور ، فننتقل منه إلى ما يقاربه ، وهو المثل في المعنى ، فوجب المصير إليه ،