مستغنما ببعث كان أو بغير بعث ، قبل الظفر أو بعده. والنفل ما كان قبل الظفر أو ما كان بغير قتال ، وهو الفيء ، أو ما يفضل عن القسم.
إذا تبين هذا فاعلم أن الراجح هنا كون السؤال سؤال استفتاء لا استعطاء ، وأنّ المراد بالأنفال الغنائم لا المشروط للغازي زيادة على سهمه ، ويؤيد ذلك الراجح أمور :
١ ـ أنّ هذا أول تشريع للغنيمة.
٢ ـ ما تقدّم من سبب النزول.
٣ ـ قوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ) فإنّه لو كان السؤال طلبا للمشروط لما كان هناك محذور يجب اتقاؤه.
ومن ذهب إلى المرجوح وهو أن السؤال سؤال استعطاء ، وأن النفل ما يشترط للغازي فقد التزم زيادة (عن) أو جعلها بمعنى (من) وهو تكلّف لا ضرورة إليه. ويبعده أيضا الجواب بقوله تعالى : (قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) فإنّ المراد به اختصاص أمرها وحكمها بالله تعالى ورسوله ، فيقسمها النبي عليه الصلاة والسلام كما يأمره الله تعالى من غير أن يدخل فيه رأي أحد ، ولو كان السؤال سؤال استعطاء ، و (عن) زائدة لما كان هذا جوابا له ، فإنّ اختصاص حكم ما شرط لهم بالله ورسوله لا ينافي إعطاءه إياهم ، بل يحققه ، لأنّهم إنما يسألون بموجب شرط الرسول عليه الصلاة والسلام الصادر عنه بإذن الله ، لا بحكم سبق أيديهم إليه مما يخل بالاختصاص المذكور.
والمعنى : يسألونك يا محمد عن غنائم بدر كيف تقسم ولمن الحكم فيها (قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) أي قل لهم : الأنفال لله يحكم فيها بحكمه ، وللرسول يقسمها بحسب حكم الله تعالى.
وهذه الآية محكمة بيّن فيها إجمالا أنّ الأمر مفوّض لرسول الله ، وآية (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ) إلخ فصّلت هذا الإجمال ببيان مصارف الغنيمة ، فلا تكون ناسخة لها (فَاتَّقُوا اللهَ) أي وإذا كان أمر الغنائم لله ورسوله فاتقوه سبحانه ، واجتنبوا ما أنتم فيه من المشاجرة فيها والاختلاف الموجب لشق العصا وسخطه تعالى ، أو فاتقوه في كل ما تأتون وتذرون ، فيدخل ما هم فيه دخولا أوليا (وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) أي أصلحوا نفس ما بينكم ، وهي الحال والصلة التي بينكم تربط بعضكم ببعض ، وهي رابطة الإسلام ، وإصلاحها يكون بالوفاق والتعاون والمواساة وترك الأثرة والتفوق ، وبالإيثار أيضا ، فذات بمعنى حقيقة الشيء ونفسه مفعول به ، وقيل : إنّ (ذات) بمعنى صاحبة ، صفة لمفعول محذوف ، أي أحوالا ذات بينكم ، ولما كانت