ذكر الله في التقسيم ، وأنه قد ردّه على المجاهدين بأعيانهم ، وأنه قد أعطى بعضه وكله : وهذا يدل على أنّ ذكر هذه الأصناف في الآية بيان لبعض المصارف ، لا بيان استحقاق وملك إذ لو كان استحقاقا وملكا لما جعله رسول الله صلىاللهعليهوسلم في بعض الأحيان في غيرهم (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
يقول الله : أيقنوا أنما غنمتم من شيء فقسمه كما بيّنت لكم ، فاقطعوا أطماعكم عما ليس لكم من الخمس إن كنتم آمنتم بالله وبما أنزلنا على عبدنا محمد صلىاللهعليهوسلم يوم فرّقنا بين الحق والباطل ببدر ، فأدلنا للمؤمنين من الكافرين ، وذلك يوم التقى الجمعان ، جمع المؤمنين وجمع المشركين ، والله على ذلك وغيره قدير لا يمتنع عليه شيء أراده.
قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٧٢) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (٧٣) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٧٤) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧٥))
كان المؤمنون في عصر النبي صلىاللهعليهوسلم أربعة أصناف :
الأول : المهاجرون الأولون أصحاب الهجرة الأولى قبل غزوة بدر ، وربما تمتد أو يمتد حكمها إلى صلح الحديبية سنة ست.
الثاني : الأنصار.
الثالث : المؤمنون الذين لم يهاجروا.
الرابع : المؤمنون الذين هاجروا بعد صلح الحديبية.
وقد بين في هذه الآيات حكم كل منها ومكانتها فقال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) هذا هو الصنف الأول وهو الأفضل الأكمل. وقد وصفهم بالإيمان ـ والمراد به التصديق ـ بكل ما جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم ، ووصفهم بالمهاجرة من ديارهم وأوطانهم فرارا بدينهم من فتنة المشركين إرضاء لله تعالى ونصرا لرسوله صلىاللهعليهوسلم ، ووصفهم بالجهاد في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم. فالجهاد بذل الجهد بقدر الوسع والطاقة ومصارعة المشاق.
فأما ما كان منه بالأموال فهو قسمان : إيجابي : وهو إنفاقها في التعاون