والهجرة ، ثم في الدفاع عن دين الله كصرفها للكراع والسلاح ، وعلى المحاويج من المسلمين ، وسلبي : وهو سخاء النفس بترك ما تركوه في وطنهم عند خروجهم منه وأما ما كان منه بالنفس فهو قسمان أيضا :
قتال الأعداء وعدم المبالاة بكثرة عددهم وعددهم ، وما كان قبل إيجاب القتال من مغالبة الشدائد ، والصبر على الاضطهاد ، والهجرة من البلاد.
وقوله : (فِي سَبِيلِ اللهِ) قيل : هو متعلق بجاهدوا قيد لنوعي الجهاد ، ويجوز أن يكون من باب التنازع في العمل بين هاجروا وجاهدوا. ولعل تقديم الأموال على الأنفس لما أن المجاهدة بالأموال أكثر وقوعا وأتم دفعا للحاجة حيث لا يتصور المجاهدة بالنفس بلا مجاهدة بالمال.
(وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا) هذا هو الصنف الثاني في الفضل كالذكر. ووصفهم بأنهم الذين آووا الرسول صلىاللهعليهوسلم ومن هاجر إليهم من أصحابه ، ونصروهم ، ولولا ذلك لم تحصل فائدة الهجرة ، ولم يكن مبدأ القوة والسيادة ، فالإيواء يتضمن معنى التأمين من المخافة ، إذ المأوى هو الملجأ والمأمن ، ومنه (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ) [الكهف : ١٠](آوى إِلَيْهِ أَخاهُ) [يوسف : ٦٩] وقد كانت يثرب مأوى وملجأ للمهاجرين ، شاركهم أهلها في أموالهم ، وآثروهم على أنفسهم ، وكانوا أنصارا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، يقاتلون من قاتله ، ويعادون من عاداه ، ولذلك جعل الله حكمهم وحكم المهاجرين واحدا في قوله : (أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) أي يتولى بعضهم من أمر الآخرين أفرادا أو جماعات ما يتولونه من أمر أنفسهم عند الحاجة من تعاون وتناصر في القتال ، وما يتعلق به من الغنائم ، وغير ذلك ، لأنّ حقوقهم ومصالحهم مشتركة ، حتى إن المسلمين يرثون من لا وارث له من الأقارب.
وقال بعض المفسرين : إن الولاية هنا خاصة بولاية الإرث ، لأنّ المسلمين كانوا يتوارثون في أول الأمر بالإسلام ، والهجرة دون القرابة ، بمعنى أنّ المسلم المقيم في البادية أو في مكة أو غيرها من بلاد الشرك لم يكن يرث المسلم الذي في المدينة وما في حكمها إلا إذا هاجر إليها ، فيرث ممن بينه وبينه مؤاخاة من الأنصار ، وذلك أنّ المهاجري كان يرثه أخوه الأنصاري إذا لم يكن له بالمدينة ولي مهاجري ، ولا توارث بينه وبين قريبه المسلم غير المهاجري ، واستمر ذلك إلى أن فتحت مكة ، وزال وجوب الهجرة ، وغلب حكم الإسلام ، فنسخ التوارث بالإسلام المصاحب للهجرة ، وهذا التخصيص باطل ، والمتعين أن يكون لفظ الأولياء عاما يشمل كل معنى يحتمله كما تقدم.
والمقام الذي نزلت فيه هذه الآية ـ بل السورة كلها ـ يأبى أن يكون المراد به حكما مدنيا من أحكام الأموال فقط ، فهي في الحرب ، وعلاقة المؤمنين بعضهم ببعض ،