وعند الشافعية لا فرق. وعندهم وجه كالحنفية ، (إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ) أي إن لم تفعلوا ما ذكر ، وهو ما شرع لكم من ولاية بعضكم لبعض ، وتناصركم وتعاونكم تجاه ولاية الكفار بعضهم لبعض (تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ) تحصل فتنة عظيمة فيها : هي ضعف الإيمان ، وظهور الكفر بتخاذلكم وفشلكم المفضي إلى ظفر الكفار بكم ، واضطهادكم في دينكم ، لصدكم عنه (وَفَسادٌ كَبِيرٌ) وهو سفك الدماء على ما روي عن الحسن ، فالمراد فساد كبير فيها. وقيل : مفسدة كبيرة في الدين والدنيا.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) هذا ليس مكررا مع ما تقدم ، لأنّ مساق الأول لإيجاب التواصل بينهما ، ومساق الثاني الثناء عليهم ، والشهادة لهم بأنهم هم المؤمنون حقّ الإيمان وأكمله ، دون من أقام بدار الشرك مع حاجة الرسول صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين إلى هجرته ، وأعاد وصفهم الأول لأنهم به كانوا أهلا لهذه الشهادة ، وما يليها من الجزاء المذكور في قوله : (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لا يقدر قدرها (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) لا تبعة له ولا منة فيه.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ) هذا هو الصنف الرابع من المؤمنين في ذلك العهد ، وهم من تأخر إيمانهم وهجرتهم عن الهجرة الأولى ، أو عن نزول هذه الآيات. فيكون الفعل الماضي (آمَنُوا) وما بعده بمعنى المستقبل ، وقيل : عن يوم بدر ، وقيل : عن صلح الحديبية ، وكان سنة ست. وجعلهم تبعا لهم وعدهم منهم دليل على فضل السابقين على اللاحقين.
(وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) أولوا الأرحام أصحاب القرابة ، وهو جمع رحم ككتف وقفل. وأصله رحم المرأة الذي هو موضع تكوين الولد من بطنها ، ويسمّى به الأقارب ، لأنهم في الغالب من رحم واحد. وفي اصطلاح علماء الفرائض : هم الذين لا يرثون بفرض ولا تعصيب.
والمعنى المتبادر من نص الآية أنها في ولاية الرحم والقرابة بعد بيان ولاية الإيمان والهجرة. فهو عزوجل يقول : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) أجدر وأحق من المهاجرين والأنصار الأجانب بالتناصر والتعاون. وكذا التوارث في دار الهجرة في عهد وجوب الهجرة. ثم في كل عهد هم أولى بذلك (فِي كِتابِ اللهِ) أي في حكمه الذي كتبه على عباده المؤمنين ، وأوجب به عليهم صلة الأرحام والوصية بالوالدين وذي القرابة في هذه الآية وغيرها.
وجملة القول إنّ أولوية أولي الأرحام بعضهم ببعض هو تفضيل لولايتهم على ما هو أعم منها من ولاية الإيمان وولاية الهجرة في عهدها. فالقريب أولى بقريبه ذي رحمه المؤمن المهاجر والأنصاري من المؤمن الأجنبي. وأما قريبه الكافر فإن كان