خرجوا حين زالت الشمس ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «هذا حين دلكت الشمس».
وهذا الحديث إن صحّ كان هو العمدة في الباب وابن جرير (١) وإن كان من أنصار هذا الرأي ينصّ على أنّ الخبر ونحوه في إسناده شيء ، وإن كان لم يعينه.
ومن الوجوه أيضا النقل عن أهل اللغة ، فقد قالوا : إنّ الدلوك في كلام العرب الزوال ، ولذا قيل الشمس إذا زالت دالكة. قال ابن جرير (٢) : وهذا تفسير أهل الغريب أبي عبيدة والأصمعي وأبي عمرو والشيباني وغيرهم ، وقالوا أيضا : إنّ أصل الدلوك مأخوذ من دلك العين حين تنظر ما لا تقوى على النظر إليه ، وهذا إنما يكون عند الزوال لقوة الشمس فيه ، حتى إنّ الناظر لا يستطيع أن ينظر ، حتى يضع كفه على حاجبه ، يمنع عن عينه شعاع الشمس.
على أنّ الدلوك لو كان اسما لمطلق الميل لكان حمله على ميلها إلى الزوال في وقت الظهر أولى ، وذلك لأنّ الآية تكون قد دلّت على الأمر بإقامة الصلاة ابتداء من الظهر إلى دخول الظلمة ، أو إلى نصف الليل ، فتكون قد انتظمت أربع صلوات.
(وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) دلت على الصلاة الخامسة ، ولو حملنا الدلوك على الغروب تكون الآية قد دلّت على صلاتي المغرب والعشاء : إن لم نقل إنها تدل على صلاة واحدة هي صلاة المغرب.
وقد قالوا : كلما كان المدلول عليه كثيرا كان الحمل عليه أولى ، فيكون حمل الدلوك على ميل الشمس إلى الزوال في الظهيرة أولى من حمله على الزوال للغروب.
واللام في قوله : (لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) لام الوقت والأجل ، لأنّ الوقت سبب الوجوب.
(إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) قيل : غسق الليل سواده وظلمته ، وقال بعضهم : غسق الليل دخول أوله. وأصله من غسقت العين إذا هملت بالدمع ، والغاسق السائل ، فمعنى غسق الليل انصب بظلامه ، وذلك أن الظلمة كأنها تنصب على العالم.
فمعنى الآية والله أعلم : أدم إقامة الصلاة من الظهيرة إلى وقت هجوم الظلمة ، أو إلى غيبوبة الشفق ، أو إلى منتصف الليل على ما قيل في تفسير الغسق. وعلى هذا تكون هذه الآية والتي بعدها على ما يجيء قد دلتا على الأمر
__________________
(١) المرجع نفسه (١٠ / ٩٢).
(٢) المرجع نفسه (١٠ / ٩٢).