العميق الذي لا ينجو من قذف فيه. ونتيجة هذه التشبيهات واحدة ، والغرض من ذلك كله تقبيح حال الشرك ، والتنفير منه.
ولا يخفى عليك ما يؤخذ من هذه الآية من الأحكام فيما يتعلق بحرمات الله ، والانتفاع بالأنعام ، والإشراك بالله ، وشهادة الزور.
وليس في قوله تعالى : (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) ما يدل على تعزير شاهد الزور ، فإنّ غاية ما أفاده تحريم شهادة الزور ، وما روي عن عمر رضي الله عنه من أنه كان يعزّر شاهد الزور ، ويأمر فينادى عليه بالأسواق. وإليه ذهب أبو يوسف ومحمد ، فإنما ذلك شيء يرجع إلى السياسات الشرعية ، فللحاكم أن يفعل من ذلك ما يراه أحفظ لحقوق العامة ، وأردع لأهل الفساد.
قال الله تعالى : (ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢))
الشعائر : العلامات التي تعرف بها الأشياء ، فهي تشعر بها وتدل عليها ، وقد اختلف في المراد بها هنا : فقيل : إنها الدين كله أوامره ونواهيه ، فهي شعائر الله ، لأنّ امتثالها والوقوف عند حدودها يدل على الطاعة لله تعالى ، والإخلاص له. وقد اضطر من يقول بهذا أن يفسّر البيت العتيق في قوله جلّ شأنه : (ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) بالجنة ، وهو كما ترى بعيد.
وقال ابن عمر رضي الله عنهما والإمام مالك والحسن : إنها عرفة ، ومنى ؛ والصفا ؛ والمروة ، والبيت الحرام ، وغيرها من مواضع الحج ، وهو لا يخلو من شيء ، فإن الله تعالى قال في شأنها : (ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) والمحلّ في الحج قد اشتهر في المكان الذي تذبح فيه الهدايا كما سيأتي. فالظاهر أنّ المراد بالشعائر الأنعام التي تساق هديا للكعبة ، كما روي عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما وسميت بذلك لأنّها تدل على الحج ، أو على طاعة سائقيها لله تعالى ، وتعظيمها يكون بأن تختار سمينة حسنة غالية الأثمان.
والتقوى هي الخشية التي تبعث على اتباع الأوامر واجتناب المناهي. ولا يخفى عليك أنّ الضمير في كلمة (فَإِنَّها) عائد على الشعائر ، وهي لا تصلح أن تكون بعضا من التقوى إذا كانت (من) للتبعيض ، ولا أن تكون ناشئة من التقوى إذا كانت (من) للابتداء ، فلا بد من تقدير يصلح لذلك. كما أنك تعلم أنه لا بد من رابط في قوله : (فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) يعود على المبتدأ ، وهو (من) فيكون مآل الكلام هكذا : ذلك ومن يعظّم شعائر الله فإنّ تعظيمه إياها من تقوى القلوب.
هذا ويصحّ في ضمير (فإنها) أن يكون راجعا إلى حالة المعظّم التي يدل عليها الفعل السابق في الآية ، وعلى هذا فلا يحتاج إلا إلى الرابط فقط ، والمعنى أنّ من