وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنّه قال : لا نعلم البدن إلا من الإبل والبقر.
أما الشافعية فقالوا : لا تطلق البدن بالحقيقة إلا على الإبل ، وإطلاقها على البقر إنما يكون بضرب من التجوّز ، فلو نذر بدنة لا تجزئه بقرة ، وبهذا قال مجاهد ، ويشهد له ما رواه أبو داود (١) عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «البدنة عن سبعة ، والبقرة عن سبعة» فإنّ العطف يقتضي المغايرة ، والظاهر أنّ اسم البدنة حقيقة فيما يكون من الإبل ، وأن إطلاقها على البقرة لم يصل إلى مرتبة الحقيقة.
فأمّا قول جابر : وهل هي إلا من البدن ، وقول ابن عمر : لا نعلم البدن إلا من الإبل والبقر ، فقد يحمل على أنهما أرادا اتحاد الحكم فيهما ، وهذا شيء غير اشتراك اللفظ بينهما ، وعلى كلّ حال فالمراد من البدن في الآية الإبل ، وقوله تعالى : (صَوافَ) و (وَجَبَتْ جُنُوبُها) يدل على ذلك ، إذ نحر الحيوان قائما لم يعهد إلا في الإبل خاصّة.
ولا يؤخذ من هذا أنّ الهدي خاص بالإبل. بل تخصيصها بالذكر لأنّها الأفضل من غيرها في الهدايا.
(صَوافَ) جمع صافة ، وهي ما صفت قوائمها وسوقها واقفة ، وقرئ (صوافن) جمع صافنة ، قيل : إنها بمعنى صافة ، وقيل : بل بمعنى أنّها قائمة على ثلاث قوائم ، والرابعة مرفوعة ، وهكذا يفعل بالإبل عند نحرها ، مأخوذ من صفن الفرس إذا وقفت على ثلاث وطرف سنبك الرابعة ، وقرئ صوافي جمع صافية بمعنى خالصة لله تعالى.
(وَجَبَتْ جُنُوبُها) من معاني الوجوب السقوط ، وجب الجدار سقط ، ووجبت الشمس غربت ، فوجبت جنوبها سقطت على الأرض ، والجنوب : جمع جنب ، وهو الشق ، وسقوط جنوبها كناية عن موتها.
(الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) : القانع الراضي بما قدّر الله له من الفقر والبؤس ، فلا يتعرّض لسؤال الناس ، مأخوذ من قنع يقنع كرضي يرضى وزنا ومعنى.
المعتر المعترض لسؤال الناس ، فإنّ المعترّ كالممعتري هو من يعتري الأغنياء ، ويذهب إليهم المرّة بعد المرّة ، وقيل بعكس هذا : القانع : السائل ، من قنع يقنع بالفتح فيهما. والمعترّ : الذي لا يسأل ، كأنّه يدفع عار السؤال بترك السؤال.
معنى الآية : أن الله سبحانه وتعالى يمتنّ على عباده بأن جعل لهم في البدن يسوقونها إلى مكة قربة عظيمة ، حيث جعلها شعيرة من شعائره ، وعلما من أعلام
__________________
(١) رواه أبو داود في السنن (٣ / ١١) ، كتاب الضحايا ، باب في البقر والجزور حديث رقم (٢٨٠٨).