(هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) وفي هذا اختلف العلماء في مرجع الضمير من قوله : (هُوَ سَمَّاكُمُ) فعن ابن زيد والحسن : أن الضمير لإبراهيم عليه الصلاة والسلام ، سمانا المسلمين قبل نزول القرآن ، وذلك ظاهر ، وسمانا المسلمين في القرآن لأنه تسبب في هذه التسمية بقوله : (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) [البقرة : ١٢٨] فلما استجاب الله دعاءه ، وجعلنا أمة مسلمة من ذريته ، كان إبراهيم كأنّه سمانا مسلمين.
وذهب ابن عباس ومجاهد والضحاك إلى أن المسمّي هو الله جل شأنه ، ويؤيد هذا الرأي قراءة أبي بن كعب (الله سماكم المسلمين) وابقاء الإسناد على ظاهره خير من التأويل فيه ، وجعله مستعملا في حقيقته ومجازه.
واللام في قوله تعالى : (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ) إما لام العاقبة ، وهي متعلقة بسماكم على الوجهين في ضميره ، وشهادة الرسول على أمته معناها الإخبار بأنّه قد بلّغهم رسالة ربه ، وإما لام التعليل.
وعلى في قوله : (عَلَيْكُمْ) بمعنى اللام ، على حد قوله تعالى : (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) [المائدة : ٣] ومعنى شهادة الرسول لهم أن يزكيهم عند الله يوم القيامة ، ويشهد بعدالتهم إذا شهدوا على الأمم السابقين ويكون التعبير بعلى لما في الشهيد من معنى الرقيب والمهيمن.
وقد تبين لك أنّه لا بد على هذين الوجهين من التأويل في قوله تعالى : (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ) إما في (اللام) وإما في كلمة (على) والسبب في ذلك هو أنه لم يظهر للقائلين بهما الوجه في أن يعلل تعديل هذه الأمة وتسميتها مسلمة بشهادة الرسول عليها ، إذ المستقيم إنما هو تعليل ذلك بقبول شهادتها على غيرها.
والحق أنه لا حاجة لذلك التأويل ، ولا مانع من بقاء كل من : على واللام على أصل معناه ، ويكون قول شهادة الرسول صلىاللهعليهوسلم على الأمة علة في الحكم بعدالة ذلك الحكم الذي دلّت عليه تسميته مسلما ، إذ لا شك أنه صلىاللهعليهوسلم مسلم لله ، وأنه سيد المسلمين ، فهو داخل في قوله تعالى : (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) دخولا أوليا ، ويكون قبول الشهادة من أمته على الأمم الأخرى علة في تسميتها مسلمة كذلك. ويكون في الكلام تفصيل في الشهادة بعد إجمال في التسمية بالمسلمين ، وهذا وجه وجيه لا خفاء فيه.
قد يقال : إنه بعد هذا كله لا يظهر التعليل إلا إذا كانت التسمية بالمسلمين واقعة من الله تعالى ، كما هو أحد الرأيين ، فإنّه واضح جدا أن يقال : سماهم الله مسلمين هذه التسمية الدالّة على حكمه بعدالتهم ، ليقبل شهادتهم على غيرهم ، أما إذا كانت