ذلك للناس جميعا بكل ما دلّ عليه ، وهو العقد بلفظ الهبة من غير مهر.
أما أن تقولوا : إنّ العقد بلفظ الهبة جائز للناس جميعا ؛ ويجب المهر ، فهو الذي لا نجد لكم سندا فيه.
وكيف يكون السند ، والله تعالى يقول : (خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) ولا يمكن رجوع الخصوصية للمعنى إلا بعد أن يكون مستفادا من اللفظ ، مدلولا عليه به ، ولو أسقط لفظ الهبة من العقد استبعد إسقاط المهر ، فالحقّ أنّ الخصوصية راجعة إلى ما كان من عقد النكاح بلفظ الهبة ، مع ما يحمل من المعنى ، وهو تمليك البضع بغير عوض.
وما سقتم من حديث عائشة لا ينفعكم ، فليس فيه إلا أنّ نكاح الواهبة كان بغير عوض ، وعائشة إنما فهمت ذلك من لفظ الهبة.
ونحن نقول : إنّ الخصوصية كانت في عقد النكاح بلفظ الهبة ومعناه ، أما عقده بلفظ الهبة وحده دون المعنى فلا نقول : إنّ الخصوصية راجعة إليه.
وأما ما قلتم من أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم عقد النكاح بلفظ التمليك ، فهو بعد تسليم حجية الحديث المروي فيه لا يدلّ [على ما ذهبتم إليه].
وهناك رواية أخرى تدل على أن العقد كان بلفظ : «زوجتكها» (١) ولا دلالة فيما رويتم ، فعقد النكاح بلفظ التمليك لا يفيد أن كل ما يدل على التمليك ينعقد به النكاح ، ألا ترون أن لفظ الإجارة يدل على التمليك ، وأنتم لا ترون النكاح ينعقد به ، لما فيه من معنى يتنافى مع المقصود من النكاح ، وهو أن الإجارة مبينة على التوقيت.
وكذلك نحن نقول بعد أن نسلّم لكم أنّ صيغ العقود يصحّ القياس فيها : إنّ لفظ الهبة نصّ على ترك العوض ، والنكاح لا بدّ فيه من العوض ، وإن لم يذكر في العقد ، فلا يصح أن يدل عليه بلفظ صريح في ترك العوض.
هذا ما رأينا أن نذكره مما تكلم فيه المفسرون من الأحكام ، وهناك أشياء أخرى عرض لها المفسرون : كالكلام على أعمام النبي ، وعمّاته ، وأخواله ، وخالاته ؛ ومن وهبت نفسها من النساء ، وما نرى أن نتابعهم فيه ، لأنّ ذلك حتى بعد صحة ما يروى لا فائدة من ذكره [هاهنا].
قال الله تعالى : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَلِيماً (٥١))
الإرجاء : التأخير والتنحية.
__________________
(١) رواه ابن ماجه في السنن (١ / ٦٠٨) ، ٩ ـ كتاب النكاح ، ١٧ ـ باب صداق النساء حديث رقم (١٨٨٩).