من سورة الأحقاف
قال الله تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (١٦))
قدمنا لك في سورة لقمان [١٤] ما فيه كفاية في تفسير الآية الأولى وفي بيان ما تشتمل من أحكام ، وخلاف العلماء في مدة الرضاع ، ومستندهم الذي يستندون إليه في تدعيم آرائهم ، ونحن من أجل ذلك لا نعيده ، وإن احتجت إلى شيء منه فارجع إليه هناك ، وإنما نذكر هنا ما لم يرد له ذكر هناك.
الكره : بفتح الكاف وضمها المشقة كالضّعف والضّعف بالفتح والضم. ومن ظريف ما يقولون في بيان المفردات هنا : أنّ المشقة تكون بعد الحمل بقليل لا وقت الحمل ، بل حين يثقل الولد في بطنها ، وكأنّهم ظنّوا أنّ القرآن يحدّد وقت المشقة.
وهذا الموضع لبيان المتاعب التي تتجشمها الأمّ أثناء الحمل ، حتى يكون ذلك مرقّقا للولد على أمه ، فالمدار أن يكون تعب في أثناء الحمل. وقد يسبق الكره ثقل الولد ، بل هو الواقع الكثير ، فإنّ الوالدات يتحمّلن كثيرا من المتاعب في أيام الوحم ، فيمتنعن من الطعام ومن الشراب ، ويعفن كل شيء.
وقوله تعالى : (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) غاية لمحذوف ، تقديره فعاش أو طالت حياته ، حتى إذا بلغ أشده.
والأشد : القوة ، وبلوغه استحكامه ، وذلك يكون بكماله في القوة المادية والعقلية. وبلوغ الأربعين سنة قيل : هو وقت بلوغ الأشد ، وذلك هو الوقت الذي يكتمل فيه الخلق ، وتقوى متانته ، ولذلك قيل : إنّه لم ينبأ نبيّ قبل الأربعين ، وإن كان بعض العلماء على خلافه ، مستدلا بما ورد في شأن عيسى ويحيى من مثل : (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠)) [مريم : ٣٠]. ومن مثل : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) [مريم : ١٢].