من سورة محمد صلىاللهعليهوسلم
قال الله تعالى : (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (٤))
أثخن في العدو ـ بالغ في الجراحة فيهم ، وأثخن فلانا أوهنه. و (حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ) أي غلبتموهم ، وكثرت فيهم الجراح.
والمعنى : أنهم صاروا لا قبل لهم بالحرب ، ولا قدرة لهم على قتالكم من شدة ما أصابهم.
والوثاق : ما يشد به ، وأوثقه به : شده فيه.
ومن عليه منّا : أنعم ، واصطنع عنده صنيعة.
وفداه يفديه فداء ، وافتدى به ، وفاداه : أعطي شيئا فأنقذه ، والفداء ككساء : ذلك الشيء المعطى.
والأوزار ، جمع وزر بكسر الأول : الإثم ، والثقل ، والسلاح ، والحمل الثقيل. هذا هو بيان المفردات التي تحتاج إلى بيان في الآية الكريمة.
ومعنى الآية بعد هذا : أنّ الله تعالى يأمر المؤمنين عند لقاء الكفار في الحرب ألا تأخذهم في قتال الكفار شفقة ، بل عليهم أن يعملوا فيهم السلاح ، فيضربوا به رقابهم ، وأن يستمر ذلك حتى يهنوا ويضعفوا ، وتخضد شوكتهم ، فلا يبقى لهم بعد ذلك قدرة على قتال المسلمين ، فإذا انتهت الحرب بإثخانهم وقهرهم ، فعلى المؤمنين أن يشدّوا وثاق من قدروا عليه منهم ، وذلك كناية عن قيد الأسر ، ووقوعهم أسرى في يد المؤمنين هنالك بعد الأسر ، واستقرارهم في قبضة المؤمنين يكون لنا أن نبقيهم كذلك أسرى أرقاء ، يقتسمهم الغانمون على ما ورد في قسمة الغنائم ، وأن ننعم عليهم بالإطلاق من غير مقابل ، فيكون ذلك يدا لنا عليهم ، ومنة نمنّ عليهم بها ، حيث أصبح الأعداء لا يخشى بأسهم. وأن نأخذ الفداء في مقابل إطلاقهم ، لنسد بالفداء ما عساه يكون عند المؤمنين من حاجة إليه ، وقد جعل الله تعالى غاية هذه الأوامر وضع الحرب أوزارها وآثامها وشرورها ، التي تلحق الناس منها ، أو وضع الأثقال والتبعات