وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (٦) وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧)) [الشمس : ٥ ـ ٧] حيث جاء الحلف بالذات بعد الحلف بالسماء وبالأرض وبالنفس ، فلا بدّ أن يكون القسم في الجميع على هذا المعنى.
أما الفرقة الأخرى من العلماء فذهبت إلى أنّ القسم وقع بأعيان الأشياء المقسم بها ، وقد قالوا في الاحتجاج على صحة ما ذهبوا إليه :
١ ـ أن القسم هو بهذه الأشياء في الظاهر ، والعدول عنه عدول عن الظاهر ، ولا يكون إلا لدليل ، وما ذكرتم لا يصلح دليلا ، لأن ما منع من العباد لا يلزم أن يكون ممنوعا صدوره من الله. إذ المانع في حق العباد أن في القسم بغير الله تعظيما لذلك الغير ، والعباد يجب ألا يشركوا مع الله أحدا في التعظيم. وهذا المعنى غير مدرك في جانب الله تعالى ، فهو إذ يعظّم ، فإنما يعظّم أشياء دانت له بالربوبية ، ولا يمكن في العقل أن تتعاظم على من هي في قبضة يده وبسطة سلطانه.
وهو إذا يعرّف الناس بعظمتها ، فإنما يرشدهم إلى عظمة خالقها ، وأنه إذ يقسم بها فإنما يقسم لأنّ لها شأنا بديعا ، ومنفعة عند العبد يدركها ، وينتقل من إدراك إتقان صنعها إلى أنه لا بد أن تكون صادرة عن المدبر الحكيم ، اللطيف الخبير ، ثم هي فوق ذلك نعمة من نعمه على عباده ، والحلف بها تذكير بالنعمة لتقابل بالشكر.
٢ ـ إنه قال تعالى : (وَالسَّماءِ وَما بَناها (٥) وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (٦) وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧)) فأقسم بالسماء ، ثم عطف عليها ما بناها ، وذلك على طريقتكم قسم بالباني ، فلو كان القسم على تقدير مضاف لتكرر القسم في الموضع الواحد من غير موجب ، إذ يصير المعنى وباني السماء وبانيها ، وطاحي الأرض وطاحيها ، ومسوّي نفس ومسويها. ومثل هذا ينزّه عنه القرآن الكريم.
ولو قلنا على طريقتنا إنّ هذا قسم بالسماء وببانيها ، أو ببنايتها لم يلزم هذا المحذور ، فتعيّن أن يكون القسم قسما بأعيان هذه الأشياء.
٣ ـ أنّه لا يبعد أن يقسم بهذه الأشياء تنبيها إلى شرفها ، وما حوت من إبداع وإتقان ، ليكون ذلك دليلا على عظمة خالقها ، وأنّه إله واحد. ويكون ذلك من تضافر الحجج على المدعى الواحد ، فهو قسم واستدلال بما في المقسم به من وجوه الدلالة المختلفة ، ومن أجل ذلك نقول : لا داعي إلى التأويل ، والقسم قسم بأعيان الأشياء وحقيقتها.
وهنا سؤال يتردّد كثيرا ، حاصله أن يقال : ما فائدة القسم؟ والمخاطب أحد رجلين : مؤمن بالقرآن ، ومكذب به ، وما كان المؤمن محتاجا وهو مؤمن إلى قسم ، فهو مصدّق من غير يمين. وإن كان من المكذبين الذين لم تغنهم الآيات والنذر ، فكيف يصدّق لمجرد القسم بعد أن لم يؤثّر فيه الدليل؟