من سورة المجادلة
قال الله تعالى : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (١))
ثبت في السنن والمسانيد (١) أنّ أوس بن الصامت قال لزوجته خولة بنت ثعلبة بن مالك في شيء راجعته فيه : أنت عليّ كظهر أمّي وكان الرجل في الجاهلية إذا قال لزوجته ذلك حرمت عليه ، فندم من ساعته ، فدعاها ، فأبت ، وقالت : والذي نفس خولة بيده ، لا تصل إليّ وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله صلىاللهعليهوسلم ، فأتت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالت : يا رسول الله إنّ أوسا تزوّجني وأنا شابة مرغوب فيّ ، فلما خلا سنّي ، ونثرت بطني ، جعلني عليه كأمه ، وتركني إلى غير أحد ، فإن كنت تجد لي رخصة يا رسول الله تنعشني بها وإياه فحدثني بها ، فقال عليه الصلاة والسلام : «ما أمرت في شأنك بشيء حتى الآن» وفي رواية : «ما أراك إلا قد حرمت عليه». قالت : ما ذكر طلاقا ، وجادلت رسول الله صلىاللهعليهوسلم مرارا ، ثم قالت : اللهم إني أشكو إليك فاقتي ، وشدّة حالي ، وروي أنها قالت : إنّ لي صبية صغارا ، إن ضممتهم إليه ضاعوا ، وإن ضممتهم إليّ جاعوا ، وجعلت ترفع رأسها إلى السماء ، وتقول : اللهم إني أشكو إليك ، اللهم فأنزل على لسان نبيك ، وما برحت حتى نزل القرآن فيها. فقال صلىاللهعليهوسلم : «يا خولة أبشري» قالت : خيرا ، فقرأ عليه الصلاة والسلام عليها : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها).
قال النحاة : إنّ قد الداخلة على الماضي لا بدّ فيها من معنى التوقع ، يعنون أنه لا يقال : قد فعل إلا لمن ينتظر الفعل ، أو يسأل عنه ، ولذلك قال سيبويه : وأما قد فجواب هل فعل ، لأنّ السائل ينتظر الجواب ، وقال الخليل : هذا الكلام لقوم ينتظرون الخبر ، يريد أنّ الإنسان إذا سئل عن فعل ، أو علم أنّ المحدّث يتوقع أن يخبر به قال : قد فعل. وإذا كان المخبر مبتدئا قال : فعل كذا وكذا.
و (قد) هنا فيها معنى التوقع ، فإنّ السماع في قوله تعالى : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي
__________________
(١) رواه أبو داود في السنن (٢ / ٢٤١) ، كتاب الطلاق ، باب الظهار حديث رقم (٢٢١٤).