تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها) مجاز عن القبول والإجابة بعلاقة السببية. ولا شكّ أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يتوقع أن يجيب الله دعاءها ويفرّج كربها.
(تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها) أي تراجعك الكلام في شأن زوجها (وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ) الشكوى أن تخبر عن مكروه أصابك ، وهي من الشكو ، وأصله فتح الشكوة ، وإظهار ما فيها ، والشكوة وعاء كالدلو ، أو القربة الصغيرة ، يتخذ للماء واللبن ونقع الزبيب والتمر ، ثم شاع استعمال الشكوى في إظهار البثّ ، وما انطوت عليه النفس من المكروه.
(وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما) السمع هنا على حقيقته المعروفة ، وهي أنّه صفة يدرك بها الأصوات ، غير صفة العلم ، أو أنه نوع من الإدراك يرجع إلى صفة العلم. والتحاور : المرادّة في الكلام ، وهو قريب من معنى المجادلة.
(إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) أي أنه تعالى يسمع كل المسموعات ، ويبصر كل المبصرات ، على أتم وجه وأكمله ، ومن لازم ذلك أن يسمع تحاورهما ، ويبصر هيئة المجادلة حين رفعت رأسها إلى السماء مبتهلة ضارعة.
قالت عائشة رضي الله عنها : الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات ، لقد جاءت خولة بنت ثعلبة تشكو إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأنا في كسر البيت يخفى عليّ بعض كلامها ، فأنزل الله تعالى : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (١)) أخرجه البخاري والنسائي (١).
قال الله تعالى : (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٢))
الظهار لغة مصدر ظاهر ، مفاعلة. يقال : ظاهر زيد عمرا ، إذا قابل ظهره بظهره حقيقة ، وظاهره غايظه ، وإن لم يكن هناك تقابل حقيقة ، باعتبار أنّ المغايظة تقتضي هذه المقابلة ، وظاهره : ناصره باعتبار أنّه يقال قوّى ظهره إذا نصره ، وظاهر بين ثوبين إذا لبس أحدهما فوق الآخر ، باعتبار ما يلي به كل منهما الآخر ظهر الثوب. وظاهر من امرأته قال لها : أنت علي كظهر أمي. وكان ذلك طلاقا في الجاهلية كما تقدم ، وقال بعض العلماء : وكان طلاقا أيضا في أوّل الإسلام ، لقوله صلىاللهعليهوسلم في الرواية السابقة : «ما أراك إلا قد حرمت عليه». وحكى بعضهم أنّه كان طلاقا يوجب حرمة مؤبدة لا رجعة فيه. وقيل : لم يكن طلاقا من كل وجه ، بل كانت الزوجة تبقى معلقة ، لا ذات زوج ،
__________________
(١) رواه البخاري (٨ / ٢١٢) ، ٩٨ ـ كتاب التوحيد ، ٩ ـ باب (وَكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً) والنسائي كتاب الطلاق ، باب الظهار حديث رقم (٣٤٦٠).