وكان بعض الصحابة قد طلب إليه قسمته بين المسلمين كالغنيمة ، فاحتجّ عليهم بالآية ، ووافقه علي وعثمان وطلحة والزبير ، بل إنّ المخالفين أيضا رجعوا إليه بعد ما حكّم الآية.
والذي يعنينا هنا هو اختلاف العلماء في الفيء يخمّس أو لا يخمّس؟ أما توزيع الخمس فليس لنا به تعلق ، لأنه ليس في الآية ، ولأنّه تقدّم خلاف العلماء فيه في سورة الأنفال [٢٨] فارجع إليه إن شئت ، ولنأخذ في تفسير الآية الثانية.
قال الله تعالى : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ).
قد ذكر الله تعالى أنّ ما ردّه على رسوله من أهل القرى هو لمن ذكرهم في النظم الكريم ، وهم ستة ، وقد اختلف العلماء ـ الذين قالوا بالقسمة أخماسا ، أربعة أخماس للغانمين ، وخمس لمن ذكر الله تعالى في قسمة هذا الخمس بين الذين ذكروا ـ فقال جماعة : يقسّم خمسة أسهم للخمسة الذين ذكرهم الله ، وهم الرسول ، وذو القربى ، واليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل وأما الله سبحانه وتعالى فإنّما كان ذكره معهم افتتاح كلام تيمّنا بذكره ، وإلا فهو مالك السموات والأرض.
وذهب بعضهم إلى أنّ الخمس ستة أسهم ، منها سهم الله يصرف إلى حاجة بيته ، وهو الكعبة ، إن كانت قريبة ، وإلا فإلى مسجد كلّ بلدة ثبت فيها الخمس ، ويقول الجمهور : إنّ جعل السهام ستة خلاف المعهود عن السلف في تفسير ذلك.
وأما سهم الرسول صلىاللهعليهوسلم فقد كان له في حياته ، ينفق منه على نفسه وعياله ، ويصرف الباقي في مصالح المسلمين.
ثم اختلف العلماء في هذا السهم بعد وفاته صلىاللهعليهوسلم ، فذهب الحنفية إلى سقوطه ، وقالوا في تعليل ذلك : إنّ الخلفاء الراشدين ذهبوا فيه هذا المذهب ، ولو كانوا يعلمون انتقاله للخلفاء ما أسقطوه ، ثم إنّه جعل للرسول صلىاللهعليهوسلم ، وهو مشتق من الرسالة ، وذلك مؤذن بأنّ الرسالة علة في هذا الجعل. وقد انتهت الرسالة ، فينتهي ما نيط بها من الحكم.
ونقل عن الشافعي رضي الله عنه : أنّه يصرف للخليفة ، لأنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم كان يستحقه لإمامته لا لرسالته ، ولكنّ الأكثر من الشافعية على أنّ السهم باق ، ولكنه يصرف في مصالح المسلمين العامة ، وهذا معنى قوله صلىاللهعليهوسلم : «مالي مما أفاء الله عليكم إلّا الخمس ، والخمس مردود عليكم» (١).
وأما سهم ذي القربى فهو لذي قرباه صلىاللهعليهوسلم ، وهم معروفون في الفقه ، وقد مرّ
__________________
(١) انظر ما رواه السيوطي في الدر المنثور في التفسير بالمأثور (٣ / ١٨٦).