ليس معناه إيجاب السلم ، بل معناه النهي عن السلم فيما لم يعلم كيله أو وزنه أو أجله.
وكذلك قوله صلىاللهعليهوسلم (١) : «كل مما يليك» ليس معناه إيجاب الأكل. بل معناه : النهي عن أن يجيل يده في الإناء ، وهكذا جرى عرف اللسان العربي في كل ما كان من هذا القبيل ، فكانت الآية دليلا على حرمة الطلاق في الحيض.
واتفق الفقهاء على أنّ ذلك طلاق بدعي محرّم. والمعنى : فيه الإضرار بالزوجة بتطويل المدة التي تتربصها ، فإنّ بقية الحيض لا تحسب من العدة عند من يرى أنّ الأقراء الأطهار ، وكذلك لا تحسب هي ولا الطهر بعدها من العدة عند من يرى أنّ الأقراء الحيض.
وأيضا ليس من الوفاء ؛ ولا من المروءة ؛ أن يطلقها في وقت رغبته عنها ، لسبب لا دخل لها فيه.
وألحق الفقهاء بذلك في الحرمة الطلاق في النفاس ، لما ذكر من المعنى.
وأتت السنة الصحيحة بصورة ثالثة للطلاق البدعي المحرم ، وهي أن يطلّقها في طهر جامعها فيه ، والمعنى في ذلك أنه ربما يندم على الطلاق إذا ظهر الحمل ، إذ الإنسان قد يسمح بطلاق الحائل لا الحامل ، وقد لا يتيسّر له ردها ، فيتضرر هو والولد.
واستثنى كثير من الفقهاء من الطلاق المحرّم خلعها في الحيض بعوض منها ، لأنّ بذلها المال يشعر بحاجتها إلى الخلاص ، وبرضاها بتطويل المدة ، وقد قال تعالى : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) وأذن النبيّ صلىاللهعليهوسلم لثابت بن قيس في الخلع على مال من غير استفصال عن حال زوجته (٢).
استدلّ أهل الظاهر بقوله تعالى : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) على أنّ الطلاق في الحيض لا يقع ، ولا يترتب عليه حكم ، لأن الآية ظاهرة في النهي عن الطلاق في غير العدة. وقد بينت السنة ذلك ، بأنه الطلاق في الحيض.
وثبت عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنه قال : «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ» (٣) وفي رواية : «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو
__________________
(١) رواه مسلم في الصحيح (٣ / ١٥٩٩) ، ٣٦ ـ كتاب الأشربة ، ١٣٥ ـ باب آداب الطعام حديث رقم (١٠٧ / ٢٠٢٢) ، والبخاري في الصحيح (٦ / ٢٤١) ، ٧٠ ـ كتاب الأطعمة ، ٢ ـ باب التسمية حديث رقم (٥٣٧٦).
(٢) رواه أبو داود في السنن (٢ / ٢٤٤) ، كتاب الطلاق ، باب في الخلع حديث رقم (٢٢٢٧) ، والنسائي في السنن (٥ ـ ٦ / ٤٨١) ، كتاب الطلاق ، باب في الخلع حديث رقم (٣٤٦٢).
(٣) رواه مسلم في الصحيح (٣ / ١٣٤٣) ، ٣٠ ـ كتاب الأقضية ، ٨ ـ باب نقض الأحكام حديث رقم (١٧ / ١٧١٨) ، والبخاري في الصحيح (٣ / ٢٢٢) ، ٥٣ ـ كتاب الصلح ، ٥ ـ باب إذا اصطلحوا على صلح جور حديث رقم (٢٦٩٧).