٥ ـ وما رواه مسلم (١) عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «ما أذن الله لشيء أذنه لنبي حسن الصوت يتغنّى بالقرآن». الأذن بفتحتين الاستماع.
٦ ـ وقالوا أيضا : إنّ الترنم بالقرآن ، والتطريب بقراءته من شأنه أن يبعث على الاستماع والإصغاء ، وهو أوقع في النفس ، وأنفذ في القلب ، وأبلغ في التأثير.
روي أنّ عقبة بن عامر كان من أحسن الناس صوتا فقال له عمر : اعرض عليّ سورة كذا ، فعرض عليه ، فبكى عمر وقال : ما كنت أظنّ أنها نزلت.
أما المانعون فاحتجوا بما يأتي :
١ ـ ما رواه الحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» عن حذيفة بن اليمان عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «اقرؤوا القرآن بلحون العرب وأصواتها ، وإياكم ولحون أهل الكتاب والفسق ، فإنّه يجيء من بعدي أقوام يرجّعون بالقرآن ترجيع الغناء والنوح ، لا يجاوز حناجرهم ، مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم» فقد نعى على من يرجّع بالقرآن ترجيع الغناء والنوح ، على نحو ما يفعله أكثر قراء هذا العصر ، ووصفهم بفتنة القلوب ، كما وصف بها كل من يسمع لهم ويعجبه شأنهم.
٢ ـ وما روي عنه صلىاللهعليهوسلم أنّه ذكر أشراط الساعة ، وذكر أشياء ، منها أن يتخذ القرآن مزامير ، وقال : «يقدمون أحدهم ليس بأقرئهم ، ولا أفضلهم ليغنيهم غناء».
٣ ـ وما رواه ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال : كان لرسول الله صلىاللهعليهوسلم مؤذّن يطرب فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الأذان سهل سمح ، فإن كان أذانك سهلا سمحا وإلا فلا تؤذن» أخرجه الدار قطني (٢). فقد كره النبي صلىاللهعليهوسلم أن يطرب المؤذن في أذانه ، فدلّ ذلك على أنه يكره التطريب في القراءة بطريق أولى.
٤ ـ وما روي أنّ زيادا النميري جاء إلى أنس رضي الله عنه مع القرّاء فقيل له : اقرأ ، فرفع صوته وطرب ـ وكان رفيع الصوت ـ ، فكشف أنس عن وجهه ، وكان على وجهه خرقة سوداء ، وقال : يا هذا ما هكذا كانوا يفعلون ، وكان إذا رأى شيئا ينكره رفع الخرقة عن وجهه. وهذا له حكم الرفع ، فقوله : ما هكذا كانوا يفعلون. دلّ على أنّ القراءة في عهد النبي صلىاللهعليهوسلم لم تكن على نحو قراءة زياد.
٥ ـ وقالوا أيضا : إنّ التغني والتطريب يؤدّي إلى أن يزاد على القرآن ما ليس منه ، وذلك لأنّه يقتضي مدّ ما ليس بممدود ، وهمز ما ليس بمهموز ، وجعل الحرف الواحد حروفا كثيرة ، وهو لا يجوز. هذا إلى أنّ التلحين من شأنه أن
__________________
(١) رواه في الصحيح (١ / ٥٤٥) ، ٦ ـ كتاب صلاة المسافرين ، ٣٤ ـ باب استحباب تزيين الصوت حديث رقم (٢٣٢ / ٧٩٢).
(٢) رواه الدار قطني في سننه (٢ / ٨٦) ، كتاب الجنائز ، باب تخفيف القراءة.