القرآن وبعد هذا ترى الأدلة كلها متفقة لا تعارض بينها ولا تدافع.
(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (٥)) الإلقاء : الإنزال : والإيحاء. وعبّر به للإشارة من أول الأمر إلى أنّ ما يوحى به شديد وعظيم.
والمراد بالقول الثقيل : القرآن ، وثقله باعتبار ما اشتمل عليه من تحميله عليه الصلاة والسلام أعباء الرسالة ومهمة التبليغ ، وما إلى ذلك من التكاليف التي يتطلّب القيام بها صبرا وجلدا وقوة عزيمة.
وقيل : إنه ثقيل في نزوله عليه صلىاللهعليهوسلم ، وتلقيه إياه من الوحي ، فقد كان عليه الصلاة والسلام يكرب عند ذلك ، ويرجف ، ويشتدّ عليه الأمر.
روى الشيخان ومالك والترمذي والنسائي عن عائشة (١) رضي الله عنها أنّها قالت : ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد ، فيفصم عنه ، وإنّ جبينه ليتفصّد عرقا.
أخرج أحمد وابن جرير (٢) وغيرهما عن عائشة أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها ، فما تستطيع أن تتحرّك ، حتى يسرّى عنه ، وتلت (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (٥)).
وروي أنه صلىاللهعليهوسلم نزل عليه الوحي مرة ، وكان جالسا واضعا فخذه على فخذ زيد بن ثابت ، فكادت فخذه عليه الصلاة والسلام ترضّ فخذ زيد من شدّة الضغط.
قيل : معنى ثقله : أنه كلام رصين ، فخم ، له رجحان ووزن ، ليس بالسفساف ولا بالهين الضعيف.
وقيل : إنّ ثقله كناية عن بقائه على وجه الدهر ، لا يزول ولا يتبدل ، فإنّ المعهود في الأجسام الثقيلة أنّها تثبت وتبقى في مكانها.
قال الله تعالى : (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (٦))
واختلف المفسرون في المراد بالناشئة. فقيل : إنّها من نشأ من مكانه إذا نهض ، فتكون الإضافة في (ناشِئَةَ اللَّيْلِ) على معنى في. والمعنى : إن النفس أو النفوس الناشئة
__________________
(١) رواه مسلم في الصحيح (٤ / ١٨١٦) ، ٤٣ ـ كتاب الفضائل ، ٢٢ ـ باب طب عرق النبي حديث رقم (٨٦ / ٢٣٣٣) ، والبخاري في الصحيح (٤ / ٩٥) ، ٥٩ ـ كتاب بدء الخلق ، ٦ ـ باب ذكر الملائكة ، حديث رقم (٣٢١٥) ، والترمذي في الجامع الصحيح (٥ / ٥٥٧) ، كتاب المناقب ، حديث رقم (٣٦٣٤) ، والنسائي في السنن (١ ـ ٢ / ٤٨٥) ، كتاب الافتتاح ، باب جامع ما جاء في القرآن حديث رقم (٩٣٣).
(٢) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره جامع البيان في تفسير القرآن (٢٩ / ٨٠).