(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) سبب نزول هذه الآية. أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعث عبد الله بن جحش وهو ابن عمته في سرية في جمادى الآخرة قبل قتال بدر بشهرين وأمره على السرية وكتب له كتابا ، وقال : سر على اسم الله ولا تنظر في الكتاب حتى تسير يومين ، فإذا نزلت فافتح الكتاب فاقرأه على أصحابك ثم امض لما أمرتك به ، ولا تستكرهنّ أحدا منهم على السير معك فسار عبد الله يومين ، ثم نزل وفتح الكتاب ، فإذا فيه : بسم الله الرّحمن الرّحيم أما بعد فسر على بركة الله تعالى ، بمن معك من أصحابك حتى تنزل بطن نخلة فارصد بها عيرا لقريش لعلك تأتينا منها بخير. فقال : سمعا وطاعة ثم قال لأصحابه ذلك وقال إنه نهاني أن أستكره أحدا منكم فمن كان يريد الشهادة فلينطلق ومن كان يكره فليرجع ، ثم مضى ومضى أصحابه معه وكانوا ثمانية رهط ، ولم يتخلف عنه أحد منهم حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع بموضع من الحجاز ، يقال له نجران أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يتعقبانه فتخلفا في طلبه ، ومضى عبد الله ببقية أصحابه حتى نزل في بطن نخلة بين مكة والطائف فبينما هم كذلك إذ مرت بهم عير لقريش تحمل زبيبا وأدما ، وتجارة من تجارة الطائف وفي العير عمرو بن الحضرمي والحكم بن كيسان وعثمان بن عبد الله بن المغيرة ونوفل بن عبد الله بن المخزوميان فلما رأوا أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم هابوهم وقد نزلوا قريبا منهم فقال عبد الله بن جحش : إن القوم قد ذعروا منكم ، فاحلقوا رأس رجل منكم وليتعرض لهم فإذا رأوه محلوقا أمنوا ، فحلقوا رأس عكاشة بن محصن ، ثم أشرف عليهم فلما رأوه آمنوا وقالوا : قوم عمار فلا بأس علينا وكان ذلك في آخر يوم من جمادى الآخرة وكانوا يرون أنه من رجب فتشاور القوم فيهم ، وقالوا : متى تركتموهم هذه الليلة ليدخلن الحرم وليمتنعن منكم فأجمعوا أمرهم في مواقعة القوم فرمى واقد بن عبد الله السهمي عمرو بن الحضرمي بسهم ، فقتله فكان أول قتيل من المشركين وأسر الحكم بن كيسان وعثمان وكانا أول أسيرين في الإسلام ، وأفلت نوفل فأعجزهم واستاق المسلمون العير والأسيرين حتى قدموا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فقالت قريش : قد استحل محمد الشهر الحرام وسفك الدماء وأخذ الحرائب يعني المال ، وعير بذلك أهل مكة من كان بها من المسلمين. وقالوا : يا معشر الصباة استحللتم الشهر الحرام ، وقاتلتم فيه فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال لعبد الله بن جحش وأصحابه : ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام ، ووقف العير والأسيرين وأبى أن يأخذ شيئا من ذلك وعنف المسلمون أصحاب السرية فيما صنعوا ، وقالوا لم صنعتم ما لم تؤمروا به ، فعظم ذلك على أصحاب السرية وظنوا أنهم قد هلكوا وسقط في أيديهم وقالوا يا رسول الله إنا قتلنا ابن الحضرمي ثم أمسينا فنظرنا هلال رجب فلا ندري أفي رجب أصبناه أم في جمادى وأكثر الناس في ذلك فأنزل الله هذه الآية فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم العير فعزل منها الخمس ، وكان أول خمس في الإسلام وأول غنيمة قسمت فقسم الباقي على أصحاب السرية وبعث أهل مكة في فداء أسيريهم. فقال بل نبقيهما حتى يقدم سعد وعقبة ، وإن لم يقدما قتلناهما بهما. فلما قدما فاداهما فأما الحكم بن كيسان فأسلم وأقام مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالمدينة فقتل يوم بئر معونة شهيدا وأما عثمان بن عبد الله فرجع إلى مكة فمات بها كافرا. وأما نوفل فضرب بطن فرسه يوم الأحزاب ليدخل الخندق فوقع في الخندق مع فرسه فتحطما جميعا ، وقتله الله ، فطلب المشركون جيفته بالثمن. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : خذوه فإنه خبيث الجيفة خبيث الدية وأما تفسير الآية فقوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ) يعني يا محمد عن الشهر الحرام يعني رجبا وسمي بذلك لتحريم القتال فيه وفي السائلين رسول الله صلىاللهعليهوسلم قولان : أحدهما أنهم المسلمون سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم هل أخطئوا أم أصابوا وقيل : إن المسلمين كانوا يعلمون أن القتال في الحرم وفي الشهر الحرام لا يحل فلما كتب عليهم القتال سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن القتال في الشهر الحرام فنزلت هذه الآية : والقول الثاني أن السائلين هم المشركون وإنما سألوه على وجه العيب على المسلمين فنزلت هذه الآية (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ) أي قل لهم يا محمد (قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) أي عظيم مستكبر واختلف العلماء في حكم هذه الآية على قولين أحدهما أنها محكمة وأنه لا يجوز الغزو في