حنيفة في لغو اليمين أن الشافعي لا يوجب الكفارة في قول الرجل ، لا والله وبلى والله ويوجبها فيما إذا حلف على شيء يعتقد أنه كان ثم بان أنه لم يكن وأبو حنيفة يحكم بضد ذلك ، ومذهب الشافعي هو قول : عائشة والشعبي وعكرمة ومذهب أبي حنيفة هو قول ابن عباس والحسن ومجاهد والنخعي والزهري وسليمان بن يسار وقتادة ومكحول. وقيل : في معنى اللغو إنه اليمين في الغضب وقيل : هو ما يقع سهوا من غير قصد البتة ومعنى لا يؤاخذكم أي لا يعاتبكم الله بلغو اليمين. وقيل : (لا يُؤاخِذُكُمُ) أي لا يلزمكم الكفارة بلغو اليمين (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) يعني لكن يؤاخذكم بما عزمتم عليه وقصدتم له ، وكسب القلب هو العقد والنية.
(فصل في بيان حكم الآية : وفيه مسائل)
المسألة الأولى : لا تنعقد اليمين إلا بالله وبأسمائه وصفاته ، فأما اليمين بالله فهو كقول الرجل : والذي نفسي بيده والذي أعبده ، ونحو ذلك ، والحلف بأسمائه كقوله والله والرحمن والرحيم والمهيمن ونحو ذلك والحلف بصفاته كقوله وعزة الله ، وقدرته وعظمته ونحوه ، فإذا حلف بشيء من ذلك ثم حنث فعليه الكفارة.
المسألة الثانية : لا يجوز الحلف بغير الله كقوله : والكعبة والنبي وأبي ونحو ذلك ، فإذا حلف بشيء من ذلك لا تنعقد يمينه ولا كفارة عليه ، ويكره الحلف به لما روى عن ابن عمر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أدرك عمر وهو يسير في ركب وهو يحلف بأبيه فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت» أخرجاه في الصحيحين.
المسألة الثالثة : إذا حلف على أمر في المستقبل ، فحنث فعليه الكفارة وإن كان على أمر ماض ولم يكن ، أو على أنه لم يكن فكان فإن كان عالما به حال حلفه بأن يقول : والله ما فعلت وقد فعل أو لقد فعلت وما فهل فهذه اليمين الغموس ، وهي من الكبائر سميت غموسا لأنها تغمس صاحبها في الإثم وتجب فيها الكفارة عند الشافعي سواء كان عالما أو جاهلا ، وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا كفارة عليه ، فإن كان عالما فهي كبيرة ، وإن كان جاهلا فهي من لغو اليمين (وَاللهُ غَفُورٌ) يعني لعباده فيما لغوا من أيمانهم التي أخبر أنه لا يؤاخذكم عليها ، ولو شاء آخذهم وألزمهم للكفارة في العاجل والعقوبة عليها في الآجل (حَلِيمٌ) يعني في ترك معاجلة أهل العصيان بالعقوبة ، قال الحليمي في معنى الحليم : إنه الذي لا يحبس إنعامه وأفضاله عن عباده لأجل ذنوبهم ، ولكنه يرزق العاصي كما يرزق المطيع ويبقيه وهو منهمك في معاصيه كما يبقى البر المتقي وقد يقيه الآفات والبلايا ، وهو غافل لا يذكره فضلا عن أن يدعوه كما يقيها الناسك الذي يدعوه ويسأله ، وقال أبو سليمان الخطابي : الحليم ذو الصفح والأناة الذي لا يستفزه غضب ولا يستخفه جهل جاهل ولا عصيان عاص ولا يستحق الصافح مع العجز اسم الحليم ، إنما الحليم الصفوح مع القدرة على الانتقام المتأني الذي لا يعجل بالعقوبة قوله عزوجل :
(لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢٦))
(لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) يؤلون أي يحلفون والألية اليمين قال كثير :
قليل الألايا حافظ ليمينه |
|
وإن سبقت منه الألية برت |
والإيلاء في عرف الشرع ، هو اليمين على ترك الوطء كما إذا قال : والله لا أجامعك أو لا أباضعك أو لا أقربك قال ابن عباس : كان أهل الجاهلية إذا طلب الرجل من امرأته شيئا فأبت أن تعطيه حلف لا يقربها السنة والسنتين والثلاث فيدعها لا أيّما ، ولا ذات بعل ، فلما كان الإسلام جعل الله ذلك للمسلمين أربعة أشهر ، وأنزل هذه الآية ، وقال سعيد بن المسيب : كان الإيلاء ضرار أهل الجاهلية فكان الرجل يريد امرأته ، ولا يحب أن يتزوجها غيره فيحلف أن لا يقربها أبدا فيتركها لا أيما ولا ذات بعل ، وكانوا عليه في ابتداء الإسلام فجعل الله