المسألة الثالثة : اختلفوا في أن هذه المدة سببها الوفاة أو العلم بالوفاة ، فقال بعضهم : ما لم تعلم بوفاة زوجها لا تعتد بانقضاء الأيام في العدة ، واحتجوا على ذلك بأن الله تعالى قال : (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ) وذلك لا يحل إلّا بالقصد إلى التربص ولا يحل ذلك إلّا مع العلم. قال الجمهور : السبب هو الموت فلو انقضت المدة أو أكثرها أو بعضها ثم بلغها خبر موت الزوج وجب أن تعتد بما انقضى ويدل على ذلك أن الصغيرة التي لا علم لها يكفي في انقضاء عدتها هذه المدة.
المسألة الرابعة : أجمع العلماء على أن هذه الآية ناسخة لما بعدها من الاعتداد بالحول وإن كانت هذه الآية متقدمة في التلاوة وسنذكر تمام الكلام عليه بعد في موضعه إن شاء الله تعالى ، والله أعلم. وقوله تعالى : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَ) أي انقضت عدتهن (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) خطاب للأولياء لأنهم هم الذين يتولون العقد (فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) يعني من التزين والتطيب والنقلة من المسكن الذي كانت معتدة فيه ونكاح من يجوز لها نكاحه وقيل إنما عنى بذلك النكاح خاصة ، وقيل معنى قوله : (بِالْمَعْرُوفِ) هو النكاح الحلال الطيب. واحتج أصحاب أبي حنيفة على جواز النكاح بغير ولي بهذه الآية لأن إضافة الفعل إلى الفاعل محمول على المباشرة ، وأجاب أصحاب الشافعي أن قوله تعالى : (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) للأولياء ولو صح العقد بغير ولي لما كان مخاطبا. وأجيب على قوله فيما فعلن في أنفسهن إنما هو التزين والتطيب بعد انقضاء العدة لا أنها تزوج نفسها (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) يعني أنه تعالى لا يخفى عليه خافية. والخبير في صفة الله تعالى هو العالم بكنه الشيء وحقيقته من غير شك والخبير في صفة المخلوقين إنما يستعمل في نوع من العلم وهو الذي يتوصل إليه بالاجتهاد والفكر ، والله تعالى منزه عن ذلك كله. قوله عزوجل : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٣٥))
(وَلا جُناحَ) أي لا حرج (عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ) أي لوحتم وأشرتم به والتعريض ضد التصريح ومعناه أن يضمن كلامه ما يصلح للدلالة على مقصوده ويصلح للدلالة على غير مقصوده ولكن إشعاره بجانب المقصود أتم وأرجح وقيل هو الإشارة إلى الشيء بما يفهم السامع مقصوده من غير تصريح به وقيل التعريض من الكلام ما له ظاهر وباطن (مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ) يعني المعتدات في عدتهن والخطبة بالكسر طلب النكاح والتماسه وقيل هو ذكر النساء والخطبة بالضم كلام منظوم له أول وآخر ، ومعنى الآية فيما عرضتم به من ذكر النساء عندهن. والتعريض بالخطبة في العدة مباح وهو أن يقول : إنك لجميلة ، وإنك لصالحة وإن غرضي التزويج وإني فيك لراغب وعسى الله أن ييسر لي امرأة صالحة ونحو ذلك ، من الكلام الموهم من غير تصريح لأن يقول إني أريد أن أنكحك أو أتزوجك ونحو ذلك ويدل على صحة هذا التأويل ما روي عن ابن عباس في قوله تعالى : (فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ) هو أن يقول : إني أريد التزويج ، وإن النساء لمن حاجتي ، ولوددت أن تيسر لي امرأة صالحة ، أخرجه البخاري. وروي أن سكينة بنت حنظلة تأيمت فدخل عليها أبو جعفر محمد بن علي الباقر في عدتها فقال : قد علمت قرابتي من رسول الله صلىاللهعليهوسلم وحق جدي عليّ وقدمي في الإسلام. فقالت سكينة : غفر الله لك أتخطبني في العدة وأنت يؤخذ عنك؟ فقال : إنما أخبرتك بقرابتي من رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد دخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم على أم سلمة وهي في عدة زوجها أبي سلمة فذكر لها منزلته من الله عزوجل وهو متحامل على يده حتى أثر الحصير في يده صلىاللهعليهوسلم من شدة تحامله عليها فما كانت تلك خطبة (أَوْ أَكْنَنْتُمْ) يعني أضمرتم (فِي أَنْفُسِكُمْ) يعني