يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) قال أبو الدحداح وإن الله يريد منا القرض؟ قال النبي صلىاللهعليهوسلم نعم يا أبا الدحداح قال : ناولني يدك فناوله يده قال : فإني قد أقرضت ربي حائطي حائطا فيه ستمائة نخلة ثم جاء يمشي حتى أتى الحائط وأم الدحداح فيه في عيالها فناداها يا أم الدحداح قالت لبيك قال اخرجي من الحائط فإني قد أقرضته لربي ، زاد غيره فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : كم من عذق رداح لأبي الدحداح وقيل في معنى يقرض الله أي ينفق في طاعته فيدخل فيه الواجب والتطوع وهو الأقرب حسنا يعني محتسبا طيبة به نفسه. وقيل : هو الإنفاق من المال الحلال في وجوه البر وقيل هو أن لا يمن بالقرض ولا يؤذي وقيل هو الخالص لله تعالى ولا يكون فيه رياء ولا سمعة (فَيُضاعِفَهُ لَهُ) يعني ثواب ما أنفق (أَضْعافاً كَثِيرَةً) قيل هو يضاعفه إلى سبعمائة ضعف ، وقال السدي هذا التضعيف لا يعلمه إلّا الله تعالى وهذا هو الأصح وإنما أبهم الله ذلك لأن ذكر المبهم في باب الترغيب أقوى من ذكر المحدود (وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ) قيل يقبض بإمساك الرزق والتقتير على من يشاء ويبسط بمعنى يوسع على من يشاء وقيل يقبض بقبول الصدقة ويبسط بالخلف والثواب وقيل إنه تعالى لما أمرهم بالصدقة وحثهم على الإنفاق أخبر أنه لا يمكنهم ذلك إلّا بتوفيقه وإرادته وإعانته والمعنى والله يقبض بعض القلوب حتى لا تقدر على الإنفاق في الطاعة وعمل الخير ويبسط بعض القلوب حتى تقدر على فعل الطاعات والإنفاق في البر. كما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث شاء» ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اللهم مصرف القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك» أخرجه مسلم. وهذا الحديث من أحاديث الصفات التي يجب الإيمان بها والسكوت عنها وإمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا إثبات جارحة ، هذا مذهب أهل السنة وسلف هذه الأمة (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) يعني في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم. قوله عزوجل :
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلاَّ تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلاَّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٢٤٦))
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) الملأ أشراف القوم ووجوههم وأصله الجماعة من الناس لا واحد له من لفظه كالقوم والرهط (مِنْ بَعْدِ مُوسى) أي من بعد موت موسى أي من بعد زمنه منه (إِذْ قالُوا) يعني أولئك الملأ (لِنَبِيٍّ لَهُمُ) اختلفوا في ذلك النبي فقيل هو يوشع بن نون بن أفرايم بن يوسف بن يعقوب وقيل هو شمعون بن صفية بن علقمة من ولد لاوي بن يعقوب وإنما سمي شمعون لأن أمه دعت الله أن يرزقها غلاما فاستجاب الله لها فولدت غلاما فسمته شمعون ومعناه سمع الله دعائي وتبدل السين بالعبرانية شينا وقال أكثر المفسرين هو أشمويل بن يال وقيل : هو ابن هلفائي. قيل إنه من ولد هارون ومعرفة حقيقة ذلك النبي بعينه ليست مرادة من القصة إنما المراد منها الترغيب في الجهاد وذلك حاصل.
ذكر الإشارة إلى القصة
كان سبب مسألة أولئك الملأ لذلك النبي أنه لما مات موسى عليهالسلام خلف من بعده في بني إسرائيل يوشع بن نون يقيم فيهم أمر الله تعالى. ويحكم بالتوراة حتى قبضه الله تعالى. ثم خلف من بعده كالب بن يوقنا كذلك ، ثم حزقيل كذلك ، حتى قبضه الله تعالى فعظمت الأحداث بعده في بني إسرائيل ونسوا عهد الله حتى عبدوا الأصنام فبعث الله إليهم إلياس نبيا فدعاهم إلى الله تعالى ، وكانت الأنبياء من بني إسرائيل من بعد موسى