أولئك الغلمان دانيال عليهالسلام وحنانيا وعزير ، وفرق من بقي من بني إسرائيل ثلاث فرق فثلثا قتلهم وثلثا سباهم وثلثا أقرهم بالشام فكانت هذه الوقعة الأولى التي أنزلها الله ببني إسرائيل بظلمهم فلما ولى بختنصر راجعا إلى بابل ومعه سبايا بني إسرائيل أقبل أرمياء على حمار له ومعه عصير عنب في ركوة وسلة تين حتى غشي إيليا وهي أرض بيت المقدس فلما رأى خرابها قال : أنى يحيي هذه الله بعد موتها. ومن قال : إن المار كان عزيرا قال : إن بختنصر لما خرب بيت المقدس بسبايا بني إسرائيل وكان فيهم عزيز ودانيال وسبعة آلاف من أهل بيت داود ، فلما نجا عزير من بابل ارتحل على حمار حتى نزل دير هرقل على شط دجلة فطاف بالقرية فلم ير أحدا وعامة شجرها حامل فأكل من الفاكهة واعتصر من العنب فشرب منه وجعل فضل الفاكهة في سلة وفضل العصير في زق ، ولما رأى خراب القرية وهلاك أهلها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها وإنما قال ذلك تعجبا لا شكا في البعث. ورجعنا إلى حديث وهب قال ثم إن أرمياء ربط حماره بحبل جديد وألقى الله تعالى عليه النوم فلما نام ونزع الله منه الروح فمات مائة عام وأمات حماره وبقي عصيره وتينه عنده وأعمى الله عنه العيون فلم يره أحد وذلك ضحى ومنع لحمه من السباع والطير ، فلما مضى من وقت موته مدة سبعين سنة أرسل الله تعالى ملكا إلى ملك من ملوك فارس يقال له نوشك وقال له : إن الله يأمرك أن تنفر بقومك فتعمر بيت المقدس وإيليا حتى يعود أعمر ما كان فانتدب الملك ألف قهرمان مع كل قهرمان ثلاثمائة ألف عامل وجعلوا يعمرونه وأهلك الله بختنصر ببعوضة دخلت في دماغه ونجى الله من بقي من بني إسرائيل وردهم جميعا إلى بيت المقدس ونواحيها فعمروها ثلاثين سنة وكثروا كأحسن ما كانوا ، فلما مضت المائة أحيا الله منه عينيه وسائر جسده ميت ثم أحيا الله جسده وهو ينظر ثم نظر إلى حماره فإذا عظامه تلوح بيض متفرقة فسمع صوتا من السماء أيتها العظام البالية إن الله يأمرك أن تجتمعي فاجتمع بعضها إلى بعض ، ثم نودي إن الله يأمرك أن تكتسي لحما وجلدا فكان كذلك ، ثم نودي إن الله يأمرك أن تحيي فقام الحمار بإذن الله ثم نهق وعمر الله أرمياء فهو يدور في الفلوات فذلك قوله تعالى : (فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ) أصل العام من العوم وهو السباحة سميت السنة عاما لأن الشمس تعوم في جميع بروجها (ثُمَّ بَعَثَهُ) أي ثم أحياه وأصله من بعثت الناقة إذا أقمتها من مكانها (قالَ كَمْ لَبِثْتَ) يعني قال الله تعالى له كم قدر الزمان الذي مكثت فيه ميتا قبل أن أبعثك من مكانك حيا؟ ويقال إن الله تعالى لما أحياه بعث إليه ملكا فسأله كم لبثت (قالَ) يعني ذلك المبعوث بعد مماته (لَبِثْتُ يَوْماً) وذلك أن الله تعالى أماته ضحى في أول النهار وأحياه بعد مائة سنة في آخر النهار قبل أن تغيب الشمس فقال لبثت يوما وهو يرى أن الشمس قد غابت ثم التفت فرأى بقية من الشمس فقال : (أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ) يعني قال الله له ، وقيل قال الملك له (بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ) يعني التين الذي كان معه قبل موته (وَشَرابِكَ) يعني العصير (لَمْ يَتَسَنَّهْ) يعني لم تغيره السنون التي أتت عليه فكان التين كأنه قد قطف من ساعته والعصير كأنه قد عصر من ساعته لم يتغير ولم ينتن (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ) أي وانظر إلى إحياء حمارك فنظر فإذا هو عظام بيض فركب الله تعالى العظام بعضها على بعض ثم كساه اللحم والجلد وأحياه وهو ينظر (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ) قيل الواو زائدة مقحمة وقيل : دخول الواو فيه دلالة على أنها شرط لفعل بعدها والمعنى وفعلنا ما فعلنا من الإماتة والإحياء لنجعلك آية للناس يعني عبرة ودلالة على البعث بعد الموت. وقال أكثر المفسرين وقيل : إنه عاد إلى القرية وهو شاب أسود الرأس واللحية وأولاده وأولاد أولاده شيوخ وعجائز شمط فكان ذلك آية للناس (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً) قرئ بالراء ومعناه كيف نحييها يقال أنشر الله الميت إنشارا يعني أحياه وقرئ بالزاي ومعناه : كيف نرفعها من الأرض ونردها إلى مكانها من الجسد ، وتركيب بعضها على بعض وإنشاز الشيء رفعه وانزعاجه يقال : نشزته فنشز أي رفعته فارتفع واختلفوا في معنى الآية فقال الأكثرون إنه أراد عظام الحمار قيل إن الله تعالى أحيا عزيرا أو أرميا على اختلاف القولين فيه ثم قال : له : انظر إلى حمارك قد هلك وبليت عظامه ، فنظر وبعث الله ريحا فجاءت بعظام