عَلِيمٌ (٢٦٨) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٦٩))
(الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) أي يخوفكم الفقر يقال : وعدته خيرا ووعدته شرا وإذا لم يذكر الخير والشر يقال : في الخير وعدته وفي الشر أوعدته والفقر سوء الحال ، وقلة ذات اليد وأصله من كسر فقار الظهر ومعنى الآية أن الشيطان يخوفكم بالفقر ، ويقول للرجل أمسك عليك مالك فإنك إذا تصدقت افتقرت (وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) يعني يوسوس لكم ويحسن لكم ، البخل ومنع الزكاة والصدقة قال الكلبي كل فحشاء في القرآن فهي الزنا إلّا هذا الموضع وفي هذه الآية لطيفة وهي أن الشيطان يخوف الرجل أولا بالفقر ثم يتوصل بهذا التخويف إلى أن يأمره بالفحشاء ، وهي البخل وذلك لأن البخيل على صفة مذمومة عند كل أحد فلا يستطيع الشيطان أن يحسن له البخل إلّا بتلك المقدمة وهي التخويف من الفقر ، فلهذا قال تعالى : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ) يعني مغفرة لذنوبكم وسترا لكم (وَفَضْلاً) يعني رزقا وخلفا. فالمغفرة إشارة إلى منافع الآخرة والفضل إشارة إلى منافع الدنيا ، وما يحصل من الرزق والخلف. عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر ، وتكذيب بالحق وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله تعالى فليحمد الله ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان ثم قرأ (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) أخرجه الترمذي. وقال هذا حديث حسن غريب قوله : إن للشيطان لمة بابن آدم اللمة الخطرة الواحدة من الإلمام وهو القرب من الشيء والمراد بهذه اللمة اللمة التي تقع في القلب من فعل خير أو شر والعزم فأما لمة الشيطان فوسوسة وأما لمة الملك فإلهام من الله تعالى (وَاللهُ واسِعٌ) أي غني قادر على إغنائكم وإخلاف ما تنفقونه (عَلِيمٌ) يعني بما تنفقونه لا تخفى عليه خافية (ق) عن أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ما من يوم يصبح فيه العباد إلّا وملكان ينزلان يقول : أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكا تلفا» (ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «قال الله تعالى أنفق ينفق عليك» وفي رواية «يد الله ملأى لا تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار ، وقال : أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يغض ما في يده» وفي رواية «فإنه لم يغض ما في يمينه ، وكان عرشه على الماء وبيده الميزان يخفض ويرفع» وفي رواية وبيده الأخرى الفيض القبض يرفع ويخفض (ق) عن أسماء بنت بكر الصديق قالت : قال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أنفقي ولا تحصي فيحصى عليك ولا توعي فيوعى عليك» قوله : ولا توعي أي لا تشحي فيشح الله عليك فيجازيك بالتقتير في رزقك ولا يخلف عليك ولا يبارك لك ، والمعنى لا تجمعي وتمنعي بل أنفقي ولا تعدي ولا تشحي. قوله عزوجل : (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ) قال ابن عباس : هي علم القرآن ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره وحلاله وحرامه ، وقال الضحاك : القرآن والفهم فيه وإنما قال : ذلك لتضمن القرآن الحكمة وقال في القرآن : مائة وتسع آيات ناسخة ومنسوخة وألف آية حلال وحرام لا يسع المؤمنين تركهن حتى يعلمونهن ولا يكونوا كأهل النهروان يعني الخوارج تأولوا آيات من القرآن في أهل القبلة وإنما نزلت في أهل الكتاب فجهلوا علمها فسفكوا بها الدماء ، وانتهبوا الأموال وشهدوا على أهل السنة بالضلالة فعليكم بعلم القرآن فإنه من علم فيما نزل لم يختلف في شيء منه ، وقيل : هي القرآن والعلم والفقه وقيل هي الإصابة في القول والفعل. وحاصل هذه الأقوال إلى شيئين : العلم والإصابة فيه ، ومعرفة الأشياء بذواتها وأصل الحكمة المنع ومنه حكمة الدابة لأنها تمنعها قال الشاعر :
أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم
أي امنعوا سفهاءكم ، وقال السدي : الحكمة النبوة لأن النبي يحكم بين الناس فهو حاكم وقيل الحكمة