الصغير. وقال الشافعي : السفيه هو المبذر المفسد لماله ودينه (أَوْ ضَعِيفاً) يعني شيخا كبيرا وقيل : هو ضعيف العقل لعته أو جنون (أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ) يعني لخرس أو عمى أو عجمة في كلامه أو حبس أو غيبة لا يمكنه الحضور عند الكاتب أو يجهل بماله ، وعليه فهؤلاء كلهم لا يصح إقرارهم فلا بد من أن يقوم غيرهم مقامهم وهو قوله تعالى : (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ) يعني ولي كل واحد من هؤلاء الثلاثة المحجور عليهم لأنه مقامه في صحة الإقرار. وقال ابن عباس : أراد بالولي صاحب الدين يعني إن عجز الذي عليه الحق عن الإملاء فليملل صاحب الحق لأنه أعلم بحقه (بِالْعَدْلِ) أي بالصدق (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ) يعني وأشهدوا على حقوقكم شهيدين لأن المقصود من الكتابة هو الإشهاد (مِنْ رِجالِكُمْ) يعني من أهل ملتكم يعني من المسلمين الأحرار دون العبيد والصبيان وهذا قول أكثر أهل العلم. وأجاز شريح وابن سيرين شهادة العبيد وحجة هذا القول أن قوله من رجالكم عام يتناول العبيد وغيرهم وذلك لأن عقل الإنسان ودينه وعدالته تمنعه من الكذب ، فإذا اجتمعت هذه الشرائط فيه كانت شهادته معتبرة. وحجة جمهور العلماء ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا فهذا نص يقتضي أن من تحمل شهادة وجب عليه الأداء إذا ما طولب بها والعبد ليس كذلك فإن السيد إذا لم يأذن له في ذلك حرم عليه الذهاب إلى الشهادة فوجب أن لا يكون العبد من أهل الشهادة (فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ) أي فإن لم يكن الشاهدان رجلين (فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) أي فليشهد رجل وامرأتان ، وأجمع الفقهاء على أن شهادة النساء مع الرجال جائزة في الأموال فيثبت الحق بشهادة رجل وامرأتين واختلفوا في غير الأموال فذهب سفيان الثوري وأصحاب الرأي إلى أنه يجوز شهادة النساء مع الرجال في سائر الحقوق غير العقوبات ، وذهب جماعة إلى أن غير المال لا يثبت إلّا برجلين عدلين ، وذهب الشافعي إلى أن ما يطلع عليه النساء غالبا كالولادة والرضاع والكبارة والثيوبة ونحوها تجوز شهادة رجل وامرأتين أو شهادة أربع نسوة. واتفقوا على أن شهادة النساء غير جائزة ولا مقبولة في العقوبات والحدود ، وقوله تعالى : (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) يعني من كان مرضيا عندكم في دينه وأمانته والشرائط المعتبرة في العدالة. وقبول الشهادة عشرة وهي : الإسلام والحرية والعقل والبلوغ والعدالة والمروءة ، وأن لا يجر بتلك الشهادة منفعة إلى نفسه ولا يدفع عنه بها مضرة ، ولا يكون معروفا بكثرة الغلط والسهو ، وأن لا يكون بينه وبين من شهد عليه عداوة فشهادة الكافر مردودة لأن الكذاب لا تقبل شهادته. فالذي يكذب على الله أولى بأن ترد شهادته وجوز بعض أهل الرأي شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض ولا تقبل شهادة العبيد وأجازها ابن شريح وابن سيرين وهو قول أنس ولا قول للمجنون معتبر حتى تصح شهادته. ولا تجوز شهادة الصبيان وسئل ابن عباس عن ذلك فقال : لا تجوز لأن الله تعالى قال : (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) والعدالة شرط وهو أن لا يكون الشاهد مقيما على الكبائر مصرا على الصغائر والمروءة شرط وهي ما تتصل بآداب النفس مما يعلم أن تاركه قليل الحياء وهي حسن الهباة والسيرة والعشرة والصناعة ، فإن كان الرجل يظهر في نفسه شيئا مما يستحيي أمثاله من إظهاره في الأغلب علم بذلك قلة مروءته وترد شهادته وانتفاء التهمة شرط فلا تقبل شهادة العدو على عدوه وإن كان مقبول الشهادة على غيره ، لأنه متهم في حق عدوه لا في حق غيره ولا تقبل شهادة الرجل لولده ووالده وتقبل شهادته عليهما ولا تقبل شهادة من يجر بشهادته إلى نفسه نفعا عن عائشة قالت قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم :
«لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا مجلود حدا ولا ذي غمر على أخيه ولا مجرب شهادة ولا القانع أهل البيت لهم ولا ظنين في ولاء ولا قرابة». قال الفزاري : القانع التابع ، أخرجه الترمذي. قوله : لا تجوز شهادة خائن أراد بالخيانة الخيانة في الدين والمال والأمانة فإن من ضيع شيئا من أوامر الله أو ارتكب شيئا مما نهى الله عنه لا يكون عدلا. والغمر بكسر الغين الحقد والقانع هو السائل المستطعم وقيل : المنقطع إلى قوم يخدمهم فترد شهادته للتهمة في جر النفع إلى نفسه لأن التابع لأهل البيت ينتفع بما يصير إليهم والظنين بكسر الظاء المتهم. وقوله تعالى : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما) أي تنسى إحدى المرأتين (فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) لأن الغالب على طباع