النساء النسيان فأقيمت المرأتان مقام الرجل الواحد حتى لو نسيت إحداهما تذكرها الأخرى فتقول حضرنا مجلس كذا وسمعنا كذا فيحصل بذلك الذكرى. وحكي عن سفيان بن عيينة أنه قال هو من الذكر أي تجعل إحداهما الأخرى ذكرا والمعنى أن شهادتهما تصيرا كشهادة ذكر ، والقول الأول أصح لأنه معطوف على تضل وهو النسيان. وقوله تعالى : (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) يعني إذا دعوا لتحمل الشهادة وسماهم شهداء لأنهم يكونون شهداء وهذا أمر إيجاب عند بعضهم. وقال قوم : يجب إذا لم يكن غيره فإن كان غيره فهو مخير ، وقيل : هو أمر ندب فهو مخير في جميع الأحوال. وقال بعضهم هذا في إقامة الشهادة وأدائها. ومعنى الآية ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا الأداء الشهادة التي تحملوها. وقيل : الآية في الأمرين جميعا يعني في التحمل والأداء والإقامة إذا كان عارفا. وقيل الشاهد بالخيار ما لم يشهد فإذا شهد وجب عليه الأداء (وَلا تَسْئَمُوا) أي ولا تملوا ولا تضجروا (أَنْ تَكْتُبُوهُ) الضمير راجع إلى الحق أو الدين (صَغِيراً) كان (أَوْ كَبِيراً) يعني قليلا كان الحق أو الدين أو كثيرا (إِلى أَجَلِهِ) يعني إلى محل الحق والدين (ذلِكُمْ) يعني ذلك الكتاب (أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ) يعني أعدل عند الله لأنه أمر به واتباع أمره أعدل من تركه ، (وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ) يعني أن الكتابة تذكر الشهود (وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا) يعني وأحرى وأقرب إلى أن لا تشكوا في الشهادة (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً) أي إلّا أن تقع تجارة حاضرة يدا بيد (تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ) أي فيما بينكم ليس فيها أجل (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) أي لا ضرر عليكم (أَلَّا تَكْتُبُوها) يعني التجارة الحاضرة ، والتجارة تقليب الأموال وتصريفها لطلب النماء والزيادة بالأرباح ، وإنما رخص الله تعالى في الكتابة والإشهاد في هذا النوع من التجارة لكثرة ما يجري بين الناس ، فلو كلفوا فيها الكتابة والإشهاد لشق ذلك عليهم ، ولأنه إذا أخذ كل واحد من المتبايعين حقه من صاحبه في ذلك المجلس لم يكن هناك خوف التجاحد فلا حاجة إلى الكتابة والإشهاد (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) يعني فيما جرت العادة بالإشهاد فيه. واختلفوا في هذا الأمر فقيل هو للوجوب فيجب أن يشهد في صغير الحق وكبيره ونقده ونسيئته وقيل : هو أمر ندب واستحباب وهو قول الجمهور. وقيل إنه منسوخ بقوله : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ). وقوله تعالى : (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) هذا نهي عن المضارة وأصله يضارر بكسر الراء الأولى ومعناه لا يضار الكاتب فيأبى أن يكتب والشاهد فيأبى أن يشهد أو يضار الكاتب فيزيد أو ينقص أو يحرف ما أملي عليه فيضر صاحب الحق أو من عليه الحق ، وكذلك الشاهد وقيل : أصله يضارر بفتح الراء الأولى ومعناه أن يدعو الرجل الكاتب والشاهد وهما مشغولان فيقولان نحن على شغل مهم فاطلب غيرنا فيقول الداعي : إن الله أمركما أن تجيبا إذا دعيتما ويلح عليهما فيشغلهما عن حاجتهما فنهى عن مضارتهما ، وأمر أن يطلب غيرهما (وَإِنْ تَفْعَلُوا) يعني ما نهيتم عنه من الضرار (فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) أي معصية وخروج عن الأمر. (وَاتَّقُوا اللهَ) أي خافوا الله واحذروه فيما نهاكم عنه من المضارة وغيرها (وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) يعني ما يكون إرشادا لكم في أمر الدنيا ، كما يعلمكم ما يكون إرشادا لكم في أمر الدين (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) يعني أن الله تعالى عليم بجميع مصالح عباده لا يخفى عليه شيء من ذلك. قوله عزوجل :
(وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨٣))
(وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ) أي في سفر (وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً) يعني ولم تجدوا آلات الكتابة (فَرِهانٌ) جمع رهن وقرئ فرهان (مَقْبُوضَةٌ) يعني فارتهنوا ممن تدينونه رهونا مقبوضة لتكون وثيقة لكم بأموالكم ، وأصل الرهن الدوام يقال : رهن الشيء إذا دام وثبت ، والرهن ما وضع عند الإنسان مما ينوب مناب ما أخذ منه دينا. فإن قلت : لم شرط الارتهان في السفر مع عدم الكاتب ولا يختص به سفر دون حضر وقد صح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم رهن